ومن المؤكد أن قطاع الشمال الذى إزدادت رغبته الجامحة في معرفة ما قد يسفر عنه الحوار الوطني الشامل والذي دارت عجلاته دورانها، لن تكون لديه أية رغبة فى الدخول فى مفاوضات مهما حصل من ورائها ومهما جنى من مكاسب سياسية فهي منقوصة طالما أن هنالك حوار وطني شامل تجلس فيه القوى السياسية الحية مصطفة اصطفافاً وطنياً نادراً! فالزحام الداخلي الذي يدور بضراوة على صعيد التوافق الوطني الكبير والذي ضم الجميع ماعدا قلة تعيش على هامش الحياة السياسية السودانية هو أمر لا يمكن ان الاستهانة به على الاطلاق، إذ انه وحتى ولو لم يكتمل الحوار الوطني بحضور الجميع فإن الحاضرين يمثلون فى الواقع طيفاً سياسياً سودانياً يصعب التقليل منه.
كل مشكلة قطاع الشمال الآن أنه إرتبك تماماً فى تقديراته فهو يسعى لاعادة انتاج نموذج نيفاشا 2005 حين كانت القوى السياسية المعارضة فى (منطقة محايدة) إذ ان الحركة الشعبية حينها لم تشرك التجمع الوطني الذي كان يضم هذه القوى المعارضة فى المفاوضات واقتسمت الحركة السلطة مع الوطني تاركة حلفائها لا هم معها فعلاً ولا هم ضدها، ولا هم مع الوطني ولا هم ضده، ولهذا لم يفلح التجمع ولا الحركة فى ان يحققا لكليهما شيئاً.
قطاع الشمال كان يخطط لتفادي تلك الاخطاء السياسية، فقد كان يريد أن يكون وحده في مائدة المفاوضات فى ظل وجود احتقان سياسي داخلي اصطفت فيه قوى المعارضة جميعها ضد الحكومة. القطاع الآن يراهن على مفاوضة الحكومة وهي تواجه عواء القوى السياسية المعارضة ليشوش عليها ويربكها.
كان القطاع يأمل فى أن يحضر قادته -كما فعل الدكتور قرنق- فى طائرة رئاسية خاصة، باستقبال شعبي عارم فى العاصمة السودانية الخرطوم بوصفه سيد الساحة والمنفرد بها وحده. الآن أفسدت الحكومة السودانية كل هذه السيناريوهات بمهارة فائقة ولم يعد بالإمكان ان يظل قطاع الشمال فى الاجواء السياسية السودانية باعتباره (البطل الاوحد).
قطاع الشمال ومهما كانت مفاوضاته أصبح (جزء يسير) من محيط سياسي هادر، بل لم يعد القطاع بعد اليوم يمثل شيئاً ذا وزن، وقد رأينا القوى التى يدّعي وصلاً بها وهي تشارك في المائدة المستديرة وعلى ذلك فإن من المحتم أن يستنبط القطاع هذه المرة وسائلاً مستحدثة لإفشال جولة التفاوض بحثاً عن أي ذريعة تدفع مجلس الامن الدولي للإسراع بالتدخل فقد أخفقت العملية في المرة الفائتة حيث تصدى مجلس السلم الافريقي للأمر وأعاد الملف من جديد للآلية الافريقية الرفعية، ويبدو ان اصدقاء القطاع فى واشنطن – وما أكثرهم- وعدوا القطاع بأن تكون هذه المرة أفضل من سابقتها!
سودان سفاري
ع.ش