في البرلمان كان النواب ينهشون لحم وزير الدفاع ولسان حالهم يقول (لينا زمن نفتش ليك).. سأل النواب عن كل شيء حتى تحرُّك بعض فصائل القوات المسلحة في أرض العمليات.. من قبل كان وزير الدفاع يتجاهل استدعاءات البرلمان بحجة ان لا صوت يعلو على صوت المعركة.. ولكن مناخ الانفتاح الجديد جعل الفريق عبد الرحيم محمد حسين يخفض جناح الذل من الرحمة وهو بين يدي إخوته في البرلمان.
أول من أمس كان رئيس البرلمان يتحدث الى مجموعة من الصحفيين والإعلاميين.. قدم الدكتور الفاتح عز الدين ملامح السياسة الجديدة مؤكدًا أن الوطن أكبر من المؤتمر الوطني وأن الإخوان ما هم إلا بعض من أحزاب السودان.. بل مدد الفاتح سبل التواصل مع أحزاب اليسار السوداني التي رفضت الانخراط في الحوار مقرًا بتميز كوادرها السياسية.. ومن قبل كان الإسلاميون يرمون اليسار بالإلحاد.
في مثل هذا المناخ الذي يشي بأن ثمة تحولات إيجابية داخل الحكومة وحزبها الحاكم خرجت علينا الأستاذة عفاف تاور بتصريحات ترد الناس إلى مربعات الشمولية.. تاور التي عملت في سلك القضاء قبل أن تبلغ عتبات البرلمان أرسلت تصريحات تحمل في مضمونها ردة عن المشروع الإصلاحي.. عفاف التي تشغل منصب رئيس لجنة الإعلام في المجلس الوطني أكدت أن الحرية المتاحة حاليًا لها سقف يجب ألّا يتم تجاوزه.
بداية مثل هذه التصريحات لا تليق بشخصية برلمانية من خلفية قانونية.. الحرية حق وليست منحة من حاكم.. حدود الحرية أوضحها الدستور وإن حاولت أن تسلبها القوانين المقيدة للحريات.. توقعت أن تطالب الأستاذة عفاف تاور من موقعها البرلماني بتمكين الصحافة من لعب دورها كسلطة رابعة مطلوب منها أن تكون عين الشعب التي يبصر بها.. ولكن الأستاذة عفاف تاور اختارت بمحض إرادتها أن تكون في جناح صقور الحزب الحاكم الذين يرددون (بعد ما لبَّنت ما بنديها الطير).
في تقديري أن تصريحات عفاف تاور يمكن أن تزيد من معدل الشكوك حول جدية الحزب الحاكم في العبور من الشمولية إلى الانفتاح.. هذه الشكوك جعلت فريقًا من الأحزاب يمتنع عن الحوار ويجلس على الرصيف في انتظار أن يتبين له الخيط الأبيض من الأسود.. لهذا على المؤتمر الوطني أن يثبت للجميع أن الحزب على قلب رجل واحد من الانفتاح والإقرار بالآخر.. وأن التحولات الحالية ليست تكتيكًا يُراد به استصحاب بعض الأحزاب وبعدها تعود الحكومة لضلالها القديم.
هنالك حكمة تقول إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.. قولي خيرًا أستاذة عفاف أو اصمتي.. وكان الله في عون عفاف حتى تدرك أن المولى عز وجل منح عباده حتى حرية الكفر.
صحيفة الصيحة
ع.ش