خالد حسن كسلا : وضاع حُبّي هناك وضاع النفط هناك

فيلم عربي مصري، ونقول في هذا العصر «مصري» لأن مصر ما عادت الدولة العربية الوحيدة التي تنتج الأفلام والمسلسلات بصورة تدخلها السوق الإقليمية. والفيلم بعنوان «وضاع حبي هناك». وملخصه أن شخصاً كان يحب فتاة وهي كانت تفوقه حباً. وقدر الله أن يسافر مضطراً بحكم عمله ويبعد عن منطقة الحبيبة الخطيبة التي كانت تنتظر يوم ان يقف على باب بيتهم يريد طلب الزواج من أهلها. غاب الخطيب كثيراً ومرت السنوات وحركت أشجان الخطيبة خطواتها للبحث عنه. وفي نهاية المطاف تتعرف على مسكنه في بلد بعيد، وتطرق الباب هي ليخرج لها بمنظر ومشهد ردده مجذوب اونسة في إحدى روائعه:
دا ما سلامك..
ولا الكلام الكان زمان..
هسي كلامك..
وإللا يعني نويت تسيبنا..
وفي الخريف تحرم غمامك..

لقد أدارت الخطيبة ظهرها للذي اصبح في تلك اللحظة المؤلمة خطيباً سابقاً.. واتجهت بخطوات معاكسة إلى حيث أتت. لقد أتت من بلد لم تحمل بشوقها الحارق أن تصبر فيه على جمر انتظار عودة فارس الأحلام، وها هي تعود إليه بجرح نازف وإحساس مختلف. ويردد لسان حالها مخاطباً قلبها بما تغنى به صلاح بن البادية:

حبيت وانجرحت من أول حبيب..
كاتم السر ما بحت ورضيت بالنصيب..
نابك إيه يا قلبي في حبو غير نار ولهيب..

لكن هل انطبق على السودان هذا المصير بخصوص «النفط» الذي استخرجته هذه الحكومة قبل انفصال الجنوب؟! إن بعض المراقبين يرى أن النفط هو العنصر الفعّال في حسم الحرب في الجنوب. فقد أسال لعاب القوى الأجنبية والحركة الشعبية بقيادة جون قرنق، ولذلك تغيرت الحسابات بشأن التمرد، وبدأت صياغة سيناريوهات تصميم المفاوضات مع الخرطوم، والقوى الأجنبية تعلم أن الخرطوم تهتم بالسلام أكثر من استمرار استخراج النفط، وتعلم أن هذه حسابات ليست ذكية لأن النفط يمكن ان يضيع بها مستقبلاً، وها هو الآن يضيع، وأن السلام يمكن أن يتعرض إلى النسف، وها هو الآن يتعرض.. نعم «ضاع حبي هناك».. «ضاع النفط هناك». إن النفط أهم من الحب. وما معنى الحب لشعب يموت جزء منه بانعدام الأمن وجزء آخر بالجوع وجزء ثالث بالملاريا ورابع بعصابات النقرز التي هي من افرازات مشروع اضاعة النفط المتمثل في اتفاقية «نيفاشا».

لكن ما مناسبة هذا الحديث عن «الحب».. و«النفط»؟! المناسبة هي ان قوات مشار المتمردة تأمر شركات استخراج النفط بمغادرة الحقول. فهل حرضت واشنطن بطريقة او اخرى سلفا كير بان يقصي جماعة مشار لكي تقوم الاخيرة بدور قذر لصالح واشنطن نفسها هو تحويل الاستثمار في النفط الجنوبي من شركات شرقية إلى أخرى غربية؟! إن صراع الافيال تتضرر منه الحشائش. واذا كان الشباب السوداني ينتظر من عوائد رسوم عبور النفط الجنوبي أن توفر فرص العمل فتتحول عاطفة الحب إلى مودة ورحمة في اطار حياة زوجية.. فقد ضاع حبه هناك حيث ضاع النفط.

يبدو أن القوى الأجنبية المستكبرة تريد أن تؤخر استخراج نفط الجنوب كما ارادات من قبل وفي عهد نميري تأخير استخراج نفط «ابو جابرة». لقد سقط قناع النفاق الامريكي. فواشنطن استطاعت ان توقف الحرب كما استطاعت ان تشعلها أول مرة.. وتستطيع ان تمنع السلام الافريقي ومنعته.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش

Exit mobile version