لم أرَ في حياتي تدليساً وغشَّاً وخديعةً بصرية مثل ذلك الذي رأيته الأسبوع الماضي في تلفزيون السودان، وهو ينقل صورة مرئية من الجزيرة يعكس آراء بعض المزارعين بعد اجتماعهم باللجنة التي شَكَّلها السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية لمراجعة الاداء بمشروع الجزيرة، برئاسة الدكتور تاج السر مصطفى؛ ففي تلك الصورة قال أحد المزارعين، وبعبارات واضحة لا لبس فيها: نحن المزارعين ديل قانون 2005م أعطانا الحرية ومَلَّكنا الأرض، ولكننا فشلنا في إدارة أنفسنا عشان كدا القانون دا ما دايرِنّه تَب!. هل يعقل أن يكون هذا الإنسان صادقاً فيما يقول؟ قانون أعطاك الحرية ومَلَّكَك الأرض وبرضو ما دايرو نهااااائي؟ الأرض التي يموت الناس من أجل حيازتها، ناهيك عن ملكيتها، هل يمكن لعاقلٍ أن يرفضها؟ في ذات الصورة ظَهَر مزارعون آخرون يضعون كلّ أسباب تراجع الأداء على قانون 2005م، ولم يشذّ أي واحد منهم، لا بل أن أحدهم قال: أَكَان قانون 2005م في نحن ما في.
السيد رئيس اللجنة الدكتور تاج السر أكمل اللقطة وهو يُخَاطب جمهرة المزارعين، مؤكداً لهم بأنهم كلجنة سوف يَنقلون كل الذي رأوه وسمعوه لمتخذ القرار، وسيقولون له هذه توصياتنا ولن تجد خيراً منها (انتهى). وسَّعتها يا دكتور، والكلام دا أوفر شوية بلغة أولاد الزمن دا، طبيعي أن يكون رأي اللجنة في توصياتها التي سوف ترفعها إيجابيا، ولكن القول بأن متخذ القرار لن يجد خيراً منها، وهذه التوصيات لم توضع ساعة كلام الدكتور، ذلك يضع علامات استفهام كثيرة وعلامات تعجب أكثر!
المشاهد لمجمل اللقطة سوف يخرج بانطباع واحد، وهو أن قانون مشروع الجزيرة لعام 2005م هو سبب البلاوي المتلتلة في كل الجزيرة، وأنه في حالة إلغائه سوف تَنحَل كل مشاكل الجزيرة وتعود، وهي تمشي الهوينا، لعهدها الذهبي أو سيرتها الأولى بلغة متحذلقي الزمن دا. قانون 2005م تم صكه في 2005م، وبدأ تطبيقه في عام 2007م، وحتى الآن لم يكتمل التطبيق، لا بل ما تم من تطبيق كان انتقائياً ومدمراً لأنه قفز فوق بعض المطلوبات، لا بل تم خَرقه بعد عام من تطبيقه بأيلولة الري كاملاً لإدارة المشروع، ولكن هذا ليس موضوعنا اليوم، بل سؤالنا كيف حالة المشروع قبل 2005؟ بلغة الحساب وَلَد أن أسوأ سنوات شهدها المشروع في تاريخه كانت في الفترة (1990 2006)م أي قبل تطبيق القانون بسنة، فهذه السنوات لم تشهد تدنٍ في الإنتاج فحسب، إنما شَهِدَت، ولأول مرة في تاريخ المشروع، دخول المزارعين السجون والبطش والجبروت والمطاردة، وهذه هي السنوات التي خَرَج فيها القطن من الجزيرة.
ثم ثانياً، إذا تم إلغاء مشروع الجزيرة لعام 2005م اليوم قبل الغد، فهل سوف تنصلح الحال في مشروع الجزيرة، وفي رمشة عين، كما ظهر من التفزيون؟ خلونا نشوف, لكن الأهم بالنسبة لنا هنا هل كانت للمشروع سيرة أولى يعود لها؟ هل في تاريخ المشروع فترة كان فيها المزارع في حالة نغنغة وبحبحة ورَغَد من العيش، وكانت الأسرة مكتفية من الحواشة، وزارع الجزيرة الذي يملك أربعين فدان مثل رصيفه المصري الذي يملك فدانين أو الباكستاني أو حتى البنغلاديشي ناهيك عن زارع القطن الأمريكي؟ أحسن تفضُّوها سيرة أولى، وبلاش تلاعب بعقول الناس عن طريق الثغرات التلفزيونية التي تقوم على الخداع البصري والسمعي، فقد أَضحَت قديمة أحسن تلعبوا غيرها.
حاطب ليل- السوداني
[email] aalbony@yahoo.com[/email]