الميرغني .. مبادرة لا غبار عليها ولكن …!

من مهجره شبه الدائم فى العاصمة البريطانية لندن أطلق زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل -الاسبوع قبل الماضي- مبادرة سياسية تولى الناطق بإسم الحزب فى مؤتمر صحفي إنعقد خصيصاً لهذا الغرض تقديمها وشرح بنودها.
زعيم الاتحادي الاصل محمد عثمان الميرغني وفق غالب المراقبين والمحللين لم يأت فى مبادرته الأخيرة بجديد باستثناء اقتراحه قيام ما أسمته المبادرة (وضع انتقالي) تحكمه حكومة قومية تضع الأسس اللازمة لقيام انتخابات برلمانية ورئاسية.
كما تضمنت المبادرة المطالبة بقيام لجنة فنية لتحديد آليات الحوار الوطني وأن تكون اجندة الحوار نفسها قائمة على قضايا الوحدة الوطنية والديمقراطية والحريات العامة وقضايا الاقتصاد والعلاقات الخارجية.
الى هنا ويمكن القول ان زعيم الاتحادي الديمقراطي على أية حال خاض بقوة في مياه الساحة السياسية الجارية حالياً بقدر ما تسنى له وأُتيح له، غير أن الأمر الملفت للانتباه فى هذه المبادرة يمكن تلخيصه فى عدة أمور:
أولها أن المبادرة إجمالاً وبصفة عامة لا غبار عليها إذ يكفي ان الاتحادي الاصل واستشعاراً منه لمسئولياته الوطنية تجاه بلده وتجاه جماهيره لبى نداء الوطن وانخرط منذ أكثر من عامين فى إدارة شأن الوطن العام فى حكومة القاعدة العريضة، ولكن دون شك فإن المطروح حالياً على الساحة السياسية يتجاوز المبادرات فهو حراك وطني المطلوب فيه البحث عن القواسم المشتركة وتقوية الحد الادنى من المشتركات بين مختلف القوى السياسية ذلك لأن طرح مبادرة يشي بوجود أزمة مستحكمة مع أن الساحة السياسية ومنذ طرح الوطني للحوار الشامل، أخذت منحىً انفراجياً غير مسبوق.
كما أن المطلوب هو السعي للجلوس للحوار، لا وضع تصورات مسبقة قد تعيق عملية الحوار نفسها وليس أدل على ذلك ان الوطني نفسه صاحب اطروحة الحوار الشامل لم يقدم اطروحة معينة بأطر معينة مخافة ان يعتقد الآخرون ان الوطني يضع أجندته ورؤاه لتكون نبراساً للآخرين. ولا شك ان الاتحادي بمبادرته هذه كاد أن يباعد بين الرؤى ويعرقل الحوار!
ثانياً، أخطأ زعيم الحزب الاتحادي الاصل فى مبادرته هذه حين دعا صراحة لرقابة دولية تشرف على الحوار ومخرجاته! حتى الآن لم يقل أي حزب من أحزاب المعارضة ان الحوار لابد له من رقابة دولية. فالمقصود من عملية الحوار التأسيس لتفاهم وطني بجهد وطني خالص بمعزل عن أي تأثيرات اقليمية أو دولية، على اعتبار أن انجاح الحوار بإشراف سوداني خالص هو فى حد ذاته نقطة انطلاق مفصلية لبناء وطني غير مسبوق.
وبالطبع لا أحد يعرف ما الحكمة من وراء هذا المطلب الغريب لا سيما وأن الحزب الاتحادي الأصل -بحكم مشاركته الحالية فى الحكومة- الأكثر ثقة وطمأنينة للوطني بدليل بقاؤه فى الحكم رغم بعض الاصوات الداعية الى خروجه منه.
ثالثاً المبادرة أيضاً كان من المنتظر أن يتمثل فيها جهد وطني عملي قام به الحزب الاتحادي -بحكم وجوده فى الحكم والساحة السياسية- للإسهام فى معالجة قضايا الحرب والسلام. من الغريب جداً أن الحزب الذي قضى نحواً من عامين ونيف فى السلطة واكتسب خبرة جيدة فى الملفات المختلفة لا تكون له اسهامات ملحوظة فى ملف السلام.
وعلى ذلك فإن مباردة الحزب كان من المفروض أن تأتي ضمن سياق أدائه التنفيذي العملي بأكثر من ان تأتي (نظرياً) هكذا وكأن الحزب ما يزال بعيداً عن موقع اتخاذ القرار أو جالساً فى مقاعد المعارضة.

سودان سفاري

Exit mobile version