قدم إلى السودان بدعوة من مؤسسات التنمية البشرية لتقديم محاضرات ودورات في ذالك المجال. (السوداني) التقته وخرجت منه بهذا الحوار. كيف تنظر لواقع الحركات الإسلامية المعاصرة خاصة التي وصلت لسدة الحكم وفشلت؟ لا أستطيع أن أقول إنهم فشلوا في حكم البلاد، لأنهم لم يحكموا البلاد، وتجارب الإخوان التي حكموا فيها محدودة جداً، وفي كثير من الأحيان ليست بإرادة الإخوان، تحيطها ظروف معينة. والتجربة الوحيدة التي يمكن أن نقول بأنها تجربة إخوان لم تستمر سنة واحدة، فتجربة حكم ضخمة مثل تجربة حكم مصر، بكل المعاناة والمقاومة الداخلية والخارجية، لا نستطيع أن نسميها فشلاً، وإنما نستطيع أن نقول إنهم لم يأخذوا الفرصة، ولم يكملوا التجربة.
قلت في حديث سابق: إن الحركة الإسلامية في تونس أكثر نضجاً من الحركة الإسلامية في مصر؛ ما هي أسباب نضجها في تونس وتعذر ذلك في مصر؟ ليس الوقت الآن لانتقاد الحركة الإسلامية في مصر، إذا وقع أخوك في حفرة، فلا تحاسبه وتشمته، وإنما تنتظر أن يخرج من الحفرة، ثم تنصحه كيف ألا يقع في الحفرة مرة أخرى، ولكن الإخوة في تونس استطاعوا أن يكون عندهم مرونة. هذه المرونة سحبت الفتيل من إمكانية أن يُقضى على الحرية وعلى الديمقراطية ويرجع الحكم البائد من جديد، وهذا ما تميزت به الحركة في تونس، ونحيّيها على ذلك.
في ظل المعطيات المتوفرة لديك، كيف ترى تجربة الإسلاميين في السودان؟ يصعب على أيِّ إنسان أن يقيِّم تجربة دون معلومات، لا شك أن التجربة السودانية مرَّت بمعاناة شديدة جداً، من المقاومة الداخلية التي استمرت سنوات طويلة وعقوداً من الحروب، كيف أحكم على أناس في خضم الجهاد: ففي ظروف كانت فيها الدولة كلها مهددة، وأتى الحصار الاقتصادي، لا يقدر أي إنسان أن ينهض بالتعليم والصحة، لا أستطيع أن أحكم على التجربة السودانية، إلا بجلسة مطولة، أعرف فيها المعلومات الحقيقية والإمكانات، وهل الهدر موجود وهل الإدارة ضعيفة أم أن القيادة ضعيفة.
دعوتَ الإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية إلى حل أحزابهم والابتعاد عن السياسة والتفرغ للدعوة والتربية.. ما بواعث تلك الدعوة؟ دعوتهم إلى ألا يشكلوا أحزاباً ينفردون بها؛ ففي هذه الحاله سيستقصدهم الأعداء، وسيتم الهجوم ليس عليهم فقط، وإنما الهجوم على الدين من خلالهم، ودعوتُ إلى أن تمارس الحركة الإسلامية السياسة من خلال جبهات عريضة، ومن خلال تحالفات، وليس أن تكون وحدها في الميدان.
هل يوجد بالفعل تنظيم دولي للإخوان؟ أعتقد أن هذا اسم أكبر من حقيقته، هنالك لقاءات للإخوة القياديين، وهي متباعدة، لكن في حقيقتها لقاءات تنسيق وليست لقاءات تنظيم، فإذا أردت الاسم فإنه موجود، وإذا أردت المحتوى والمعنى، فليس موجوداً وليس فعالاً.
في إحدى المحاضرات التي قدمتها بدولة اليمن، وصفتك نفسك بــ”القيادي في جماعة الإخوان المسلمين”، ما الذي دعاك لقول هذا الحديث ضمن المحاضرة؟ أنا فعلاً قيادي في جماعة الإخوان المسلمين، وأفتخر بذلك. أنتمي إلى الإخوان كحركة مخلصة أصيلة وصاحبة فكر إسلامي معتدل، ولها تاريخ مجيد في مقاومة الطغيان والاستعمار الإنجليزي والعدو الصهيوني منذ أيام حسن البنا وإلى اليوم. الإخوان ليس لديهم في تاريخهم شيء يخجلون منه، وما نسب إليهم من أحداث عنف وغيرها ليس منهم، وحسن البنا تبرأ من الذين قاموا بأحداث عنف في زمانه، وقال هؤلاء ليسوا إخواناً ولا مسلمين يمثلون الإسلام. كذلك أتشرف بأني من قيادات الإخوان المسلمين.
قضيت فترة طويلة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ لماذا منعت من دخولها مؤخراً؟ بعد أحداث سبتمبر، حكومة بوش المتطرفة، أصدرت قراراً بمنع خمسمائة شخصية إسلامية من دخول أمريكا، من جميع أنحاء العالم، وتحديداً الأشخاص الذين لهم مساندة ظاهرة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). هذا هو السبب الوحيد ولا يوجد سبب آخر إطلاقاً.
كذلك أصدرت السلطات السعودية قراراً بمنع دخولك أراضيها؟ بعد موقفي الشديد ضد الانقلاب في مصر، والتأييد الشديد لدول الخليج لمصر، وإعلاني لرفضي لهذا الانقلاب وهذا التأييد، وهذا هو السبب الوحيد، والحمد لله علاقتي بالإخوة السعوديين ممتازة، وأبنائي متزوجون من سعوديات، وعلى كل حال أعتبر هذا سحابة ستمر وسترجع العلاقات من جديد.
يرى البعض أنك “إسلامي ليبرالي”؟ أهلاً وسهلاً… هذا يعتمد على تعريفهم لليبرالية، فإذا كانوا يقصدون بالليبرالية حرية الفكر وحقوق الإنسان، طبعاً نحن مع هذا، وإذا كانوا يقصدون بالليبرالية التحرر من الدين والقيم، فأنا أكبر عدو لهم.
في مقولة سابقة لك قلت إن حرية التعبير ممتدة وتشمل حتى الاعتراض على الله ورسوله؟ قلت إن الإسلام يعبر عن حرية التعبير، ومن حق الناس أن يعبروا عن آرائهم ويعتقدوا كل شيء، إذا اعترض المسلم على الله ورسوله هذا كفر. ولكن السؤال كيف نتعامل مع هؤلاء؟.. هنالك من يرى أن الذين يعترضون على الله ورسوله يجب أن تقطع رؤوسهم فوراً، أنا أقول إذا أصابت أحد الشباب لوثة فكرية، واعترض على حكم الله مثلاً “في جعل الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين”، أنا ليست عندي مشكلة في الاعتراض، ولكن كيف التعامل مع هذا الاعتراض، فيجب أن تكون بالدعوة والإقناع، ومتأكد من أن الدين له الحجج والبراهين التي تستطيع أن تدحض به أي شبهة، وأنا ضد أن هؤلاء يجب قطع رؤوسهم، وإنما الحل هو بالحوار والإقناع والدليل والبرهان.
أول مرة زرت فيها السودان؟ من فترة طويلة جداً أذكر أن عمري في ذلك الوقت خمسة وعشرون عاماً، وأنا الآن بلغت الستين من عمري.
كيف تنظر لواقع السودان؟ أنا علاقتي وثيقة مع الحركة الإسلامية في السودان، ولديّ أمل أن نرى السودان قد تحرر من الحصار والضعف الاقتصادي الذي يحاولون أن يفرضوه عليه، ونأمل أن تؤتي المصالحة الوطنية ثمارها، ويعرف جميع قادة الحركات في السودان أنهم يواجهون مصيراً واحداً مشتركاً، يجب أن تتكاتف جهودهم نحو النهضة ببلادهم. فالسودان شعب عزيز وشعب حر، ولديكم ثروة غير عادية، هي أعلى من ثروة الذهب والنفط، لديكم ثروة الإنسان الواعي، وهذه ثروة يجب أن تستثمر بأعلى درجات الاستثمار، ونأمل أن نجد تغييراً جذرياً في السودان قريباً، ونرى السودان يقود النهضة في الأمة العربية.
كيف تنظر لواقع الأمة الإسلامية اليوم في ظل الانقسامات والحروب الطائفية؟ التوصيف الحقيقي لوضع الأمة اليوم أنها في بداية صعود. نحن انتهينا من النزول، والذي ينظر إلى حركة التاريخ، يعلم بوضوح أننا وصلنا إلى القاع في 1967 مع فقداننا للقدس، وبعد ذلك بدأنا بالصعود بشكل بطيء لكن سنشهد إن شاء الله قريباً نهضة غير عادية على مستوى الأمة، وندخل في التنافس العالمي وتصبح هذه الفترة ذكريات، التفرق والتخاصم ليسا هما المشكلة، ولكن هي النتيجة، المشكلة الحقيقية هي في أمرين، في الفكر الذي لدى القيادة إذا استطعنا أن نغير هذا الفكر، وإن تعذر ذلك نغير هؤلاء القادة الذين يسيرون بنا بفكر نتن وفكر رجعي وفكر منحط خاضع للإرادة الغربية، إذا استطعنا أن نغير ذلك ستنهض الأمة وتتوحد بسهولة.
صحيفة السوداني
حوار: محمد محمود
ع.ش