الأمر بصفة عامة يمكن قراءته فى إطار (بطولة سياسية) تعتزم قوى التحالف خوض غمارها بعد سنوات طويلة من الضعف والهوان وقلة الحيلة. ومع أن الأمر فيه تعمد مسبق بمخالفة القانون من قبل قوى سياسية تبدو تواقة للممارسة الديمقراطية المستندة الى قوانين وقواعد راسخة، إلاّ أنه لا بأس من أن نساير هذه القوى -المعذورة- فى بطولتها السياسية هذه، ولكن الأمر المؤسف هنا أننا إذا قرأنا هذا الموقف من وجهه الموضوعي فإننا سنلاحظ الآتي:
أولاً، من الصعب اعتبار العزم على خرق القوانين -عن عمد وسبق اصرار بطولة؛ ذلك أن المسلك المتحضر فى الممارسة الديمقراطية يقتضي أول ما يقتضي الالتزام بقواعد القانون، ويعلم الجميع أنه وفي كل الدنيا لا ديمقراطية ولا حرية بلا قانون. إن من الممكن أن تنال قوى التحالف احترام الكافة لو أنها لجأت الى المؤسسات العدلية القائمة في السودان -المحكمة الدستورية مثلاً- طالبة منها النظر -قضائياً- فى مدى دستورية القوانين المنظمة للممارسة السياسية وإقامة الندوات، وهل يجوز تنظيم الحريات عبر القانون أم أن الحريات تمارس هكذا دون كوابح أو قواعد حتى ولو تصادمت مع حريات الآخرين؟
لو أنها فعلت فإن ما تقرره المحكمة الدستورية -سلباً أو إيجاباً- يصبح عنواناً للحقيقة ومن ثم يتأسس على ضوئه الوضع القانوني للممارسة السياسية وأنشطة الأحزاب.
ثانياً، شهدنا قبل أيام وفى منشط سياسي خاص بواحد من أعرق الاحزاب السياسية السودانية استخدام سلاح ناري في فض خلاف حول تنظيم المؤتمر السياسي للحزب. فقد واجه قيادي بارز بالحزب الاتحادي الأصل بزعامة الميرغني قيادياً آخر شاهراً فى وجهه السلاح! ليس ذلك فحسب ولكن القيادي الاول أكد لخصمه ان لديه (تعليمات) باطلاق الرصاص عليه اذا لم يستجب لقراره، وكان الحل الوحيد -الذي أمكن بموجبه حقن الدماء- انسحاب القيادي الذي أُشهر في وجهه السلاح بصرف النظر عن ما إذا كان قد أدرك جدية هذا القيادي الأول فآثر السلامة أم أنه قصد تجنيب الساحة السياسية (عملاً مسلحاً) داخل الميدان السياسي الداخلي. ما المانع أن يتكرر هذا الحدث فى ندوات القوى السياسية وتتعارك فيما بينها خاصة وأن قوى التحالف على وجه الخصوص تعج بالخلافات السياسية من أقصى يمينها الى أقصى يسارها.
ثالثاً حتى لو افترضنا جدلاً ان هذه الانشطة السياسية بالامكان قيامها دون الحاجة الى قانون أو موافقة مسبقة من الجهات المعنية، ما الضمان -فى ظل واقع الحروب الجارية فى أطراف البلاد- من أن يتغلغل بعض حملة السلاح -على غرار ما جرى داخل حرم جامعة الخرطوم مؤخراً- ليشيعوا الفوضى ويسفكوا الدماء في ندوات هذه القوى السياسية ليتحول ميدان الندوات الى ميدان قتال داخلي دامي؟
إن القوانين لا يمكن اعتبارها مطلقاً مقيدة للحريات، إذ من البديهي أن قوانين المرور التى تقرر السير على يمين الطريق أو تلزم بالوقوف عند الاشارة الحمراء لا يمكن اعتبارها مقيدة لحريات الناس في أن يسيروا شمال الطريق أو فى وسطه أو كيفما يبدو لهم. القانون هذا هو لصالح الجميع ولصالح الممارسة الحقة وليس مضماراً لبطولات تاريخية ولى زمانها !
سودان سفاري
ع.ش