الحلو والمر

الحلو والمر
[JUSTIFY] بعيداً عن عالم الرومانسيات ودنيا الكمال المحفوفة بالمثاليات، فمن المؤكد أن لا وجود لعلاقةٍ زوجيةٍ ناجحة، بَرَّاقة وتنعم بالصحة مية المية، فلابد من وجود بعض الهنات والمنقصات، وشيء من الكتاحات التي تُعَكِّر صفو جوها، فإن لم تتجاوز حَدَّها وتنقلب إلى ضدها، فهذه المنغصات تُعتَبر بهاراً أو تحديداً (توم وشمار)؛ تعطي إيقاع الحياة الرتيبة بين الشريكين شيئاً من الإثارة والتحدي، وتُحَفِّز فيهم روح النضال من أجل إنجاح مشروعهم المشترك.
ومن ضمن العوامل الأساسية في استقرار الحياة الزوجية، جدار الخصوصية العازل الذي يضربه الزوجان حول تفاصيل الخلاف والاختلاف بينهما، عن محيطهما الاجتماعي الحميم، فكلما قلَّ وانحصر عدد المتشوبرين والمتدخلين في المشاكل بين الزوجين، كلما قل الشمار واختصر المشوار نحو طريق الحل، ولكن جدار الخصوصية هذا يتهدده نمط العلاقة التي تحكم تواصل الزوجين كل مع أمه؛ خاصة المساحة التي تخصصها الزوجة لأمها وتسمح لها من خلالها بتكوين (قوات طوارئ خاصة للتدخل السريع)، والتي تطرقنا لها في مادة (مجنونة وأمها عاقلة)، فمن واجب الأم العاقلة الحكيمة توجيه ابنتها وإرشادها إلى ما يُصلِح حياتها، فلا شك أن تجربتها الطويلة في الحياة، وعاطفتها نحو ابنتها، يدفعانها إلى بذل النصح والتوجيه للإبنة، التي لا تملك ما تملكه أمها من الخبرة والحكمة في التعامل مع الزوج.. فإن لم يحدث ذلك المأمول، فغالباً ما تنساق الأم وراء إغراء التدخل في حياة ابنتها، وذلك بالتحريض والتوجيه السلبي لها ضد زوجها، ربما لهذا السبب لا يحبذ العقلاء انغماس الأمهات في تفاصيل حياة بناتهن، لأنهن لا يلتزمن الحياد والمعقولية في تعاملهن مع الأمر؛ إذ عندما تلجأ الإبنة لأمها تشكو من الضيم الواقع عليها، خاصةً إذا ما جاءتها باكية تبدو على سيمائها علامات القهر والتنكيل: الليلة يرجاني ود الما صَلَّت الصبح!!
بهذا الفهم كانت وصية حاج (إبراهيم) لابنته (أحلام)، بعد أن أبانت لهم الأيام سوءات نسيبه (ود حمدان)؛ فعلى الرغم من أنه صنايعي (يده دهب) إلا أن مصدر دخله يعتمد على رزق اليوم باليوم، دون مظلة تأمين تقيه شرور إصابات العمل، إلا أنه لم يهتم يوماً بتأمين شيء من الرفاهية لعياله وأمهم، بل لم يعمل حساباً لغدر الأيام بتوفير جزء من قرشه الأبيض ليومه الأسود إذا ما جاء يومٌ لم يستطع فيه أن يخرج للعمل، فكل ما كان يكسبه من عمله طول النهار، كان يشتري منه كيس اللحمة والخضار، أما بقية مكسبه فينفقه على شراء صنفه الغالي الذي يبر به مزاجه الكييف!! وعندما تحتج عليه (أحلام) وتشكو من مزاجه الذي يأكل ويشرب مع عياله، ويجعلهم دوماً في مهب رياح الظروف، لم يكن يجيبها بأكثر من:
مالك يا ولية؟! ما تراكي ماكلة وشاربة إنت وعيالك في أمان الله .. بكرة ده خلي دبارتو عند علام الغيوب!!.
وتَكَرَّرت شكوى الإبنة الحبيبة من زوجها المدمن، وتكررت عودتها لبيت أبيها حردانة نَكِدَة، ولكن حاج (إبراهيم)، بحِكمَته، شَعَر بأن زوجته تُفَاقِم الأمر بتحريض ابنته على زوجها، فانتحى بها جانباً ذات زعلةٍ من زعلاتها وقال:
(يا بنيتي، عيالك كبروا ووعو على البحصل بينك وبين أبوهم، الكلام ده عيب وما كويس في حقهم؛ ما تجي اليوم والتاني حردانة تشكي لأمك، أي مشكلة تاني تحصل بينكم تعالي وريني ليها في الدكان أنا بحلها ليك، لا مِنْ شاف ولا مِن سمع. وإن كان للقروش أيييي حاجة ناقصاك أنا متكفل أتِمَّها بس أَقُعدِي رَبِّي عيالك قِدَّام عين أبوهم يا بتي الله يرضى عليك).
من ذاك اليوم صارت (أحلام) تحمل أحزانها ومغائصها، وتتوجه لسوق التشاشة حيث دكان والدها؛ تجلس إليه بعد أن يرسل أشقائها الذين يساعدونه في البيع بعيداً، ثم يستمع إليها بصدر واسع فيمتص غضبتها ويهون عليها، ثم يحملها من خيرات السوق ما تفرح به عيالها عندما تعود إليهم، حتى جاءته يوماً ورأسها واقف سيف أن ينهي عذابها ويخلصها من هذا الزوج بالطلاق، فلم يعد لها أمل في اصلاحه.
هدأها كعادته وطلب منها أن تنتظره في الدكان لبضع دقائق، ثم توجه لجاره بائع البطيخ وطلب منه أن يبحث له عن (دقلة) أو بطيخة صغيرة نيئة قطعت قبل أوان نضجها، وأن يعطيه معها بطيخة على السكين حَمَار وحلاوة.. رغم غرابة الطلب بحث صاحب البطيخ عن (الدقلة) وأعطاها لحاج (إبراهيم) مع الأخرى الحلوة، فأخذهما لابنته وقام بقطع (سريحة) من الأولى وطلب منها أن تتذوقها وتعطيه رأيها، ففعلت قبل أن تتفلها إلى الأرض وتقول بأنها (دي مرّة حنضل). هنا قطع (شقة) من الثانية وناولها لها فأكلتها باستمتاع وقالت (دي حلوة ولذيذة ما زي ديك).. هنا قال الأب الحكيم:
البطيختين ديل زي حال أولادك بعدين؛ المقطوعة من عِرقَها قبال يوما مُرَّة حنضل، والقامت ورِبَت في عروقا حَمَار وحلاوة يا بتي.. فهمتي وللا أزيد؟!!.

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]

[/JUSTIFY]
Exit mobile version