الحوار الوطني من الناحية الإعلامية قد يشمل حتى تحالف الحركات المتمردة «الجبهة الثورية». لكن الواضح هو أن الحوار في الخرطوم لا يمكن عملياً أن يشمل المتمردين، قبل أن يمروا مع الحكومة بمحطات التفاوض في الدوحة وأديس أبابا مثلاً، ويوقعون معها الاتفاقيات. فهي لا يمكن أن تأتي إلى الخرطوم قبل التوقيع على اتفاقيات كما حدث مع الحركات المتمردة من قبل، مثل حركة قرنق وحركة مناوي وحركة التحرير والعدالة، لأن في هذا الوضع طبعاً مكاسب تعود على قادة التمرد لا يمكن أن تجنيها من الحوار الوطني. لكن رفض الحوار من جانبها يعني بأن تتمسك بالرفض في الداخل القوي السياسية التي تشعر بأنها يمكن أن تكون سنداً لها، وإن كانت ضعيفة مثل الحزب الشيوعي السوداني. والحزب الشيوعي الآن يتمسك بإسقاط الحكومة وفي نفس الوقت يطالب بإلغاء أحكام الإعدام ضد عرمان وعقار.
طبعاً عرمان يعتبر واحداً من كوادر الحزب داخل نشاط التمرد ولو تغيرت قيادته من قرنق إلى عقار والحلو، والحزب الشيوعي لا ينظر إلى «الحق الخاص» المستقل عن قرار رئيس الجمهورية، فالرئيس صاحب قرار العفو العام، أما العفو الخاص فلا سبيل للتدخل فيه، إذا كان بالفعل يحكم دولة ديمقراطية. لكن السلوك السياسي لدى المتمردين ومعهم صديقهم الحزب الشيوعي يبقى دائماً متناقضاً يخلط الأوراق.
لا يأبهون بحق خاص.. ويرون أن الحكومة بإمكانها أن تعتدي عليه من أجل الجناة عقار وعرمان وصحبهم.
هذا هو السلوك الذي يريدون أن يحكموا به البلاد يحلمون بذلك بعد إسقاط النظام. إن الحركة الشعيبة قطاع الشمال في داخلها تقع الإعدامات لأتفه الأسباب، فلماذا يعترض الحزب الشيوعي المشهور بدمويته منذ مذبحة بيت الضيافة في انقلاب يوليو الفاشل 1971م لماذا يعترض على إعدام من قتلت قواتهم الأبرياء؟!. ثم إذا كان الشيوعيون يتمسكون بإسقاط الحكومة رغم مائدتها المستديرة للحوار و«إنبطاحها» للقوى اليسارية بعد ربع قرن من الزمان، فلماذا لا ينتظر الشيوعيون سقوطها يُلغى تلقائياً حكم الإعدام ويضيع الحق الخاص كما يريدون؟!
التناغم الإعلامي بين القوى اليسارية في الداخل والمتمردين في الجبهة الثورية، أمر يؤذي مشاعر الجيش السوداني طبعاً. أولئك يحاربونه وهؤلاء يقدمون للتمرد الدعم الإعلامي.ليس لأن هذه الحكومة إسلامية، فحتى أثناء حكومة الصادق المهدي الديمقراطية العلمانية المنتخبة، في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي، معروف ماذا كان يفعل الإعلام الشيوعي بخصوص الحرب بين القوات المسلحة السودانية وحركة قرنق.
إن الجيش أزاح نميري ليرتع الشيوعيون أهل دكتاتورية البروليتاريا في ديمقراطية «الرجعية» ومع ذلك كانوا يؤذون مشاعر الجيش ويجرحون إحساسه، هو يقاتل قرنق ويصد عدوانه حتى لا يأتي ويحول «الديمقراطية الثالثة» إلى جحيم. إن من لا يحترم الجيش الوطني لا يحترم الوطن طبعاً.
أما حزب البعث جناح علي الريح السنهوري، وحزب البعث «الأصل»، كما يسمى جناح محمد ضياء الدين.. وحزب البعث جناح سوريا بقيادة التجاني مصطفى، فإذا اتحدوا جميعهم و معهم الحزب الشيوعي والحزب الناصري، ما قتلوا ذبابة. فالبلاد لا توجد فيها الآن قوة يسارية ضاغطة فهي في نفسها متشرذمة إلى مجموعات صغيرة. واستصحابها في الحوار أو عدم ذلك لا فرق بينهما.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش