ومن يصيح بنا من طرف جلسة الأنس يقول:
أستاذ… قلت إنه لا عيب في السودان إلاّ السودانيين؟
والحديث كان عن الحوار والحديث عن السوداني ينطلق
قال: رئيس دولة إفريقية حين يزور السودان يلقى الطلاب من بلده في جامعة إفريقيا ويسألهم وكأنه ساخط:
ما الذي جاء بكم إلى هنا؟
أحدهم ينهض ليقول:
الأمان… الأمان الذي وجدته هنا لا أجده وأنا في بيتي هناك في بلدي هناك.
ومدير لمركز تعليمي ضخم في بلد إفريقي يقص قال:
جئت السودان عمري أربعة عشر عاماً.. لا أحمل تأشيرة دخول وفي المطار أعجز عن التفاهم فلا كنت أعرف العربية ولا الإنجليزية..
أخيراً أطلق كلمتين لا أعرف غيرهما.. قلت:
إسلام… جامعة.
والرجل يجعلني أجلس ناحية ويعود للتعامل مع الصف وأعرف أنني ذاهب إلى السجن لكن كوباً من الشاي الساخن يصل إليّ.
بعدها موظف المطار يضعني في عربة تاكسي ويدفع للسائق أجرته ويقول له شيئاً وأجد نفسي في جامعة إفريقيا هذه.
الرجل الذي أصبح أحد قادة بلده يقول:
لسنوات طويلة أجد أن السودانيين كل منهم نسخة من صاحب المطار هذا.
في السعودية يطلقون دراسة عن المعلمين في إفريقيا وآسيا ويكتشفون شيئين.
أولهما هو أن أكثر المعلمين نجاحاً هو المعلم الذي يتلقى تعليمه هو داخل بلده.
والثانية هي أن أكثر المعلمين نجاحاً خارج بلده هو السوداني.
وفي الأردن يقولون لوفد سوداني رفيع إن أمهر الأطباء الأردنيين هم الذين تخرجوا في جامعات سودانية.. ثم انطلقوا إلى الغرب.
والحديث يزدحم من هنا عن السودانيين ويزدحم من هناك عن نوع من السودانيين لا نستطيع الإشارة إليهم.
وهذا وهذا كله يصبح أمواجاً في بحر الحوار المتدفق الآن.
(2)
وفرز الكيمان/ حتى يتحدث كل كوم بعد تقديم هويته يذهب إلى رصف أكوام المجتمع وأكوام الأفكار
عن المجتمع قال:
اختفاء (البيوت) الآن من الخرطوم… ظاهرة لها تفسير.. والخرطوم تصبح مدينة تجارية… والبيوت التي تسكنها الأسر تختفي ومحلات إيجار السيارات الفخمة ظاهرة لها معناها.
وزحام المحلات الفاخرة للملابس النسائية ظاهرة لها معناها.
(والملابس النسائية) في كل مجتمع هي الجذور والساق التي تنبت أشجار المجتمع.
(3)
وظاهرة الأحزاب الثلاثة والثمانين تصبح جملة في الحوار… والجملة تعيد صلة كل حزب بواشنطن أو لندن.
ومحطة تلفزيونية وكأنها تبحث عن جذور الأحزاب
العراقية بأمريكا تعيد أمس الأول تقديم خطبة بوش أمام جنوده العائدين من العراق.
وبوش يصفق لحلفائه من الأحزاب العراقية والعربية التي دعمت حربه ضد العراق.
بوش يصفق لكن…
السينما وكأنها تجيب تقدم حقيقة المشهد وحقيقة التصفيق هذا.
السينما تقدم فيلماً عن المصارعة الإسبانية.. والمصارعة هناك حين تنتهي بمقتل الثور وإصابة المصارع بطعنة قاتلة تنقل المشاهد إلى مشهدين
في المشهد الأول عمال الصحة يجرجرون جثة الثور القتيل.
وفي المشهد الثاني المصارع يموت على الأرض في غرفة قذرة بينما الجماهير المهتاجة ما زالت تصفق للمصارع الذي يبدو وكأنه ينتظر عمال الصحة لجرجرة جثته.
التصفيق الأمريكي للحلفاء يصبح هو هذا.
على شاشة أخرى المغني العراقي يغني وهو ينوح
(كنا واحد… كنا دولة… وكل شيء عادي وطبيعي
فجأة صرنا طوائف… هادا سني وهادا شيعي).
السنة والشيعة هناك معاً منذ ألف وأربعمائة عام لكن الاستخدام الأمريكي هناك يجعلها معسكرات يذبح بعضها بعضاًَ.
الحوار السوداني الآن ينظر إلى هذا.
يبقى أن الحكايات الصغيرة عن الحلفاء والأصدقاء تصبح أكثر فصاحة.
وعام ألف وتسعمائة وستين ليلة توقيع استقلال تشاد حين يشرع الرئيس التشادي في إلقاء خطبته ينقطع التيار الكهربائي فجأة.
التدبير الفرنسي كان يقول للصديق التشادي
نحن ذاهبون فابقوا في الظلام.
وطالب سوداني في بلد عربي يلتفت بعد سنوات إلى صديقه الشيعي ليقول له:
أنا سني وأنت شيعي.. وكنت أسمع أن الشيعة يؤذون السنة بطبع عميق فيهم.. لكني لسنوات لم أرَ منك شيئاً مؤذياً فكيف؟
والشيعي يقول: معذرة فلأنك عزيز عندي كنت اكتفي بوطئ ظلك تحت حذائي..
صحيفة الإنتباهة
ع.ش