شوفونية سياحية

‫ شوفونية سياحية
** ومن وقائع التقليد الأعمى، تشرفت بزيارة بعض الشباب قبل خمس سنوات، بغرض طرح فكرتهم للرأي العام، ليتبناها المجتمع والحكومة كمشروع..وكانت الفكرة هي زراعة أسطح المنازل بالخضر والفول، وهي إحدى أفكار الدكتور عمرو خالد، وأراد بها تحقيق الإكتفاء الذاتي لبعض الأسر المصرية، ووجدت الفكرة رواجاً إعلامياً في حينها..حاورت شبابنا، إستحسنت حماسهم ومتابعتهم للأفكار والمفكرين، وشرحت لهم أن فكرة زراعة أسطح المنازل قد تتناسب طبيعة الحياة في مصر ولكنها غير مناسبة لطبيعة حياتنا ذات الأسطح التي قوامها (الزنك أو الزبالة أو الخشب)..و يمكن تعديل الفكرة بحيث تكون (مشروع زراعة الحيشان)، علماً أن مساحة الأرض غير المستغلة في أية مدينة أو قرية سودانية أكبر من مساحة الأرض المستغلة (مساكناً وزراعة)، ويمكنكم تنفيذ الفكرة في المساحات غير المستغلة، وبهذا يكون قد تم تطوير فكرة عمرو خالد وتنفيذها بالسودان..غادروا بعد الشكر، ثم صرفوا النظر عن تقليد فكرة (زرعة أسطح المنازل) ..!!

** والي كسلا أيضاً، زار ولاية البحر الأحمر قبل عام ونيف، وتفاجأ بالنهضة العمرانية التي أحدثتها الحكومة الولائية هناك في الطرق والبنايات وتجميل مدائن الولاية بحيث صارت رقعة سياحية ولها مهرجان سنوي للسياحة..تفاجأ والي كسلا بكل هذا، وحدثته نفسه بتقليد والي البحر الأحمر، وليس في الأمر ما يعيب في حال أن يتم التقليد وفق (دراسة وخطة)..ولكنه، بلا دراسة وبلاخطة، عاد من البحر الأحمر وأمر أجهزة حكومته بهدم كل بنايات كسلا العريقة وقطع أشجارها بزعم التشييد والتجميل وفق ( مواصفة طاهر إيلا)..!!

** ومنذ ذاك العام، وإلى يومنا هذا، كسلا محض أطلال بأمر الوالي..أي هدمها ثم جلس – ولايزال – على تلها، لأن أوامر و آليات الهدم سبقت التفكير في كيفية البناء، وهكذا دائماً مصائر الأشياء حين يسبق الحماس التفكير أو حين يكون التقليد أعمي، أي بلا دراسة جدوى أو تخطيط محكم..ولم يكتف والي كسلا بالتقليد الأعمى لنهضة البحر الأحمر العمرانية، بحيث تبقى كسلاً أطلالاً، بل لايزال يواصل رحلة التقليد الأعمى وذلك بطرح فكرة (مهرجان سياحي)..نعم مهرجان سياحي فوق أطلال المدينة التي كانت تلهم الشعراء أشعارهم، وليت الخنساء كانت معاصرة لهذا المهرجان المرتقب لتشاطر كسلا في أحزانها بأعمق مرثية في تاريخ الشعر ..!!

** فالمسافة بعيدة، ليست فقط بين كسلا والبحر الأحمر، بل بين كل ولايات السودان والبحر الأحمر، حين يكون التفكير في تنظيم مهرجانات السياحة..بالبحر الأحمر، بجانب البحر والمناخ، نجحت حكومتها في توفير الحد المعقول من عوامل المناخ الجاذب للسائح.. فلندع كل عوامل المناخ الجاذب للسواح، بل إن لم يكن هناك مناخاً غير النظافة والتجميل، فهذا يكفى عاصمة البحر الأحمر بحيث تكون مدينة تصلح للترويح..والنظافة هي العامل المفقود في كل مدائن السودان، بما فيها عاصمة البلد، ناهيكم عن كسلا التي يستقبلك بؤس حالها وذباب أسواقها في حدود القضارف.. !!

** كسلا ولاية بلغ بؤس أمنها لحد أنها قاب قوسين او أدنى من أن تصبح مركزاً عالمياً لتجارة البشر، ومع ذلك تتحدث حكومتها عن تنظيم مهرجان سياحي..ثم حكومة البحر الأحمر لا تصرف على السياحة ومهرجانها من خزينة الولاية، بل السياحة ومهرجانها السنوي بمثابة عائد لخزينة الولاية، إذ شركات المجتمع هي التي تصرف وتروج وتحتفل، وما الحكومة إلا محض جهة إشرافية، ولو كانت بحكومة كسلا عقول رسمية تتقن فن تفعيل المجتمع وتسخير شركاته كما يحدث بالبحر الأحمر، لما كان حال الولاية بحاجة إلى ( صيوان عزاء)، وليس (مهرجان سياحة)..!!

** على كل حال، ليس لوالي كسلا فحسب، بل لكل الولاة : نعم لتقليد طاهر إيلا في تنظيم مهرجانات السياحة، ولكن بالتخطيط والدراسة ثم بعد توفير الحد المعقول من عوامل السياحة، ومنها تنظيف مدائنكم وأريافكم وتجميلها، وليس بالتقليد الأعمى الذي ينصب مسارح الطرب على براميل النفايات المسماة بالعواصم الولائية..وإن كان الأمر كذلك، أي محض شوفونية سياسية، نقترح لولاة دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق بتنظيم مهرجانات السياحة أيضاً، بحيث تكون معسكرات النازحين ( متاحف أثرية)..!!

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]

Exit mobile version