لكن «روقة البال» التي بدت على وزير الدفاع بلغت قمتها وهو يلقي التحية العسكرية على النائبة عائشة الغبشاوي التي بادلته إياها عقب الجلسة ربما مردها المناصرة الكبيرة التي وجدها الوزير تحت القبة رغم أن أكثر من عشرين نائباً استفسروه عن الأوضاع الأمنية، ولنقل حاصروه بالأسئلة وهو رقم قياسي إذ قلما يتحدث هذا العدد من النواب أمام وزير، وكان نتاج ذلك اتفاق الجميع على إحداث «انتفاضة» و«ثورة» في القوات المسلحة من خلال التوصية على زيادة مرتبات الجيش وتحسين أوضاعه المعيشية، وذلك بالتنسيق مع المالية بواسطة عدة لجان برلمانية.
جلسة الأمس التي تجاوزت زمنها بنحو ثلث ساعة كانت مختلفة كثيراً عن جلسات سابقة «زنق» فيها النواب وزير الدفاع ونصبوا له كميناً.. إلا أن عبد الرحيم حسين وضع خطة جديدة نبعت من حالة المعنويات العالية التي عليها القوات المسلحة بعد أن طبقت شعار: «أكسح وامسح».. ولذلك تحدث بارتياح مع الصحفيين رغم أنه سبق وأن غادر مباشرة عقب جلسة قدم من خلالها بيانه دون أن يدلو بأية حديث لأي صحفي.
أحكم وزير الدفاع إغلاق الثغرات هذه المرة على الأقل من خلال السيطرة على الأوضاع في دارفور وقد عاد من هناك قبل ثلاثة أيام واطمأن على القوات بما فيها قوات الدعم السريع التي امتدحها بالأمس وقال إنه بجانب دورها المناط بها قدمت عملاً اجتماعياً كبيراً، حيث قامت بصيانة طلمبات ودوانكي وكان لها دور طبي ملموس، وأكد أنها لم تهاجم أي قرية.
أيضاً من المسائل اللافتة أمس أن وزير الدفاع قام بـ «وثبة» حيث تجاوز مسألة «الدواس» وذهب إلى «المعاش» بلفت انتباه نواب البرلمان إلى أوضاع الجيش وهي تأتي في سياق الترتيب الجاد لعمليات الصيف الحاسم والتي هي في مرحلتها الثانية، وقد وضح الاهتمام الكبير للحكومة بهذه العمليات على الأقل وهي ترتب لتهيئة المناخ لإنجاح الحوار الوطني الذي تحرك قطاره وبالمقابل تحاول أن تدفع بوفدها المفاوض لقطاع الشمال حول المنطقتين في جنوب كردفان والنيل الأزرق في الأسبوع الأخير من هذا الشهر ومعنوياته في «السماء» ولسان حال عبد الرحيم يقول اذهبوا لأديس مفاوضين وسنذهب للميدان مقاتلين، وذلك لأنه أطلق تحذيرات قبل فترة قصيرة لحملة السلاح وقال إما التفاوض أو الحسم وهي إستراتيجية تتجاوز ما حدث في مفاوضات نيفاشا عندما وقعت الحكومة في فخ التفاوض المباشر وهي كانت الأقوى على الأرض بدليل أنه طيلة أيام الحرب في الجنوب لم «يهوِّب» الجيش الشعبي على حاضرة الجنوب مدينة جوبا إلا مرة واحدة وقد لقنه الجيش والمجاهدون وقتها درساً قاسياً.
أيضاً من الملفات المهمة التي جعلت وزير الدفاع «يرمي قدام» تجاه البرلمان و«ظهره مُؤمن» أن الموقف مع أهم دولة بالنسبة للسودان وهي الدولة الجنوبية في حالة مستقرة وقد أكد الرجل أنه ليس لديهم أي نية للتعدي على الجنوب وهو حديث جاء على خلفية التشويش الذي حدث مؤخراً ومحاولات جهات ما توجيه مدفعيتها صوب الخرطوم بالإعلان عن اعتزام الجنوب تقديم شكوى ضد السودان في الأمم المتحدة بتدخله في أراضيه.
جاهزية عبد الرحيم لأي هجوم حتى وإن كان من قبل الصحفيين قبل أن يكون من البرلمانيين برز للجميع من خلال استعداده للإدلاء بتصريحات صحفية وتأكد أكثر بإجابته على كل التساؤلات حتى المتجاوزة الخطوط الحمراء مثل قضية حلايب الذي ألمح إلى أن حلها دبلوماسياً و«سياسياً» وليس عسكرياً من خلال أن الأمر على منضدة الأمم المتحدة.
تأخر بعض النواب عن الجلسة لنحو نصف ساعة وبعضهم يزيد قليلاً ومنهم قيادات بارزة مثل رئيس الكتلة البرلمانية لنواب الوطني مهدي إبراهيم والوالي السابق حبيب مختوم والوزير السابق عثمان الهادي وآخرين ربما لاطمئنانهم أن الأمن مستتب، بينما كان واضحاً أن مساعد الرئيس السابق د. نافع علي نافع أراد الاطمئنان أكثر وقد حضر في الموعد إلا أن كثيراً من النواب عطلوه بالحديث عن الدخول للقاعة لنحو ثلث ساعة.
ومهما يكن من أمر، فبقدر ما ينتظر الناس نتائج الحوار الوطني فإنهم أكثر تلهفاً لانتفاضة عسكرية على الحركات المتمردة وتطبيق شعار أكسح وامسح بحذافيره.
صحيفة آخر لحظة
أسامة عبدالماجد
ت.إ[/JUSTIFY]