“حكًّامات” السودان يغنين للسلام

”نأسف لأننا حرضنا على الحرب في دارفور” بهذه العبارة اختصرت رئيسة “حكًّامات” السودان، حواء محمد أحمد، الدور السالب الذي أدته الحكامات في الحرب الأهلية التي اندلعت في إقليم دارفور في عام 2003.

وأوضحت حواء، الدور السالب الذي أدته الحكامات فيما يتعلق بالحرب في إقليم دارفور، وأشارت الى اتفاق الحكامات للكف عن الدعوة الى الحرب، وتحويل مسار الشعر نحو إقرار السلام.

وأنشدت حواء: الحرب ما بتنتم قولوا السلام ينجم. ومعناه: أن الحرب لا تنتهي وعلينا أن نوقفها ونقر السلام.

وأضافت، أن الحكَامة في الحرب عادة ما ترتحل مع المقاتلين أينما ذهبوا، لتكون رقيباً على من ثبت، ومن فر منهم من المعركة، وبعدها تنظم شعراً، إما بالتمجيد أو الهجاء لينتشر بين الأرجاء.

وتمسكت بتراث الحكامات الذي أكدت أنه متوارث قائلة: الحكامة امرأة تتمتع بالحكمة تخرج من وسط القبيلة وتتصف بسرعة البداهة والشجاعة والصدق، والحكامة تتعامل بطبيعتها من دون قيود تحد من حركتها، ما يجعلها ضمن أعلى سلطة في القبيلة، وعادة ما تحكم الناس بإعادتهم الى المسار الصحيح في حال الحياد عنه.

وتمثل الحكامات أحد مكونات المجتمع الدارفوري المؤثر جداً في القرارات الاجتماعية والسياسية كافة، ويقتصر لقب حكامة على المرأة التي تمتلك موهبة الشعر، وتجيده، وعادة ما تردده بلغة محلية ولهجة دارجية.

وتأخذ “الحكامة” موقعاً متميزاً وسط القبيلة وتعامل معاملة الملوك، ويسعى الجميع الى كسب رضاها بلا استثناء، لاسيما وأن شعرها يمثل سلاحاً ذو حدين، إما أن يرفع أحدهم الى السماء أو يخسف به إلى سابع أرض.

وأدت الحكامات دوراً في الحرب المشتعلة في دارفور، من خلال نظم قصائد تحرض على الحرب، وكانت حادثة الحكم بإعدام الحكامة، مريم زخيرة، في عام 2009 بتهم التحريض أكبر دليل على ذلك، وسرعان ما أوقف تنفيذ الاعدام بسبب الوساطات الأهلية التي تمت.

وقال أستاذ الثقافة السودانية في جامعة الخرطوم البروفسور، مهدي بشرى لـ”العربي الجديد”: إن المرأة في كل المجتمعات السودانية لديها دور مهم فيما يتعلق ببث الحماسة، وأوضح: في دارفور تؤدي الحكامة، ذلك الدور عبر تحميس الذكور للدفاع عن القبيلة، وشرفها كما تشارك في الحرب، عموماَ هي تعبر عن القبيلة وقيمها ومواقفها عبر نظم الشعر والتغني به في المناسبات العامة.

رئيس هيئة شؤون القبائل العربية في ولاية شمال دارفور، إبراهيم عبد الله، قال: إن للحكامة دوراً كبيراً ومؤثراً وسط القبيلة من خلال شعرها، الذي تستهدف عبره ثلاثة محاور، أحدها خاص بالحرب والثاني بالعطاء والأخير بالسياسة.

وأوضح: عندما تقع حرب بين قبيلتين، فإن الحكامة تعمل على تحميس الرجال عبر نظم أبيات شعرية تطالب عبرها بالثبات في المعركة، كما أنها تكون عادة بالمرصاد لمن يثبت في أثناء المعركة، ومن يفر هارباً، وعبر الحكامة تكتسب القبائل الشهرة وسط القبائل الأخرى.

لكنه استطرد أن “الحكامة” تسببت في زيادة القتل في فترات سابقة “الجميع يثبت خوفاً من هجاء الحكامة، ويفضلون الموت على العودة من دون انتصار حتى لا تتلقفهم الحكامة بشعرها، ووقتها يصعب عليهم العيش وسط القبيلة بسبب العيب الذي يلاحقهم، كما تعوق عملية الزواج من بنات القبيلة.

وأكد أن الحكامة عادة ما تصور المعركة بشعرها، وتستخدم خيالها لرسم معالمها، وتنشره عادة في الأفراح والأعياد والمناسبات الأخرى، التي يكون فيها أكبر تجمع، وشعر الحكامة بمثابة سيف على الرقاب، وما تقوله يسري على الجميع.

“في تاريخ دارفور نجحت الحكامات في ايقاف حروب قبلية، كما أشعلت أخرى، خاصة وأنها عادة تكون حاضرة في جلسات الصلح التي تتم بين القبائل، وتوكل إليها مهمات تقريب وجهات النظر” على حد قوله.

وقال: إن ما يميز الحكامة عن غيرها من نساء القبيلة أن لها زيّاً خاصّاً من التراث يميزها عن الأخريات، كما تتعامل مع الجميع من دون استثناء وتجالس الرجال من دون أن ينظر إليها نظرة مجتمعية سلبية، كما لا توجد أي قيود على حركتها. “الحكامة تسافر من دون قيد على الرغم من وجودها في مجتمع تقليدي محافظ، وتتزوج من الرجل الذي يملك المال والشجاعة، لكنها قد تخضع للأحكام المجتمعية في شأن الزواج بأن تتزوج ابن عمها”.

الخرطوم ــ علوية مختار- العربي الجديد

Exit mobile version