تحركات البشير ردا علي قرار المحكمة الجنائية الدولية والاستقبالات الشعبية له تؤكد مدي وعي السودان حكومة وشعبا بأبعاد المؤامرة الدولية التي تستهدف هذا البلد. فالعداء للسودان ككيان هو الأصل في التحركات الغربية التي تتخذ أشكالا مختلفة للايقاع بهذا البلد والإجهاز عليه مثل العراق وأفغانستان.
لو كانوا يستطيعون التدخل عسكريا لتدخلوا، لكنهم عاجزون عن ذلك بعد الخسائر الجسيمة التي استنزفت القوة العسكرية الأمريكية في العراق ومعها الناتو في أفغانستان، لكن هذه المرة يريدون تفكيك وتدمير السودان دون اراقة دم جندي غربي ومواجهة فشل عسكري ثالث.
لا يمكن فصل ما يحدث مع السودان عن الحرب الدائرة الآن ضد العالم الاسلامي لاسقاط الحكومات المتمردة علي الغرب، فلم تعد الحرب الغربية ضد جماعات تتهم بالارهاب، وانما تطورت الى إسقاط الدول الاسلامية الصاعدة واستئصال أي دولة لها ميول استقلالية وتسعي للفكاك من الهيمنة الغربية.
الغرب غير قادر علي الدخول في حرب عسكرية جديدة لاسقاط البشير، وقادة الغرب يبحثون الآن عن مخرج من المستنقع العراقي والأفغاني وليس من مصلحتهم الوقوع في مستنقع جديد، لكنهم يغيرون من تكتيكاتهم ويراجعون خططهم لتحقيق ما يريدون من أهداف، فإذا كانت تكلفة اسقاط الدول بالقوة العسكرية عالية كما رأينا في العراق وأفغانستان، فانهم يبحثون عن قرارات من هيئات ومنظمات لها صفة الدولية لتعطيهم الشرعية لخطف الرؤساء وممارسة القرصنة ضد الشخصيات الرافضة للركوع والتبعية.
وهم سيستخدمون محكمة الجنايات الدولية وغيرها من المنظمات التي تدار بالريموت، لأن الأمم المتحدة لا تحقق لهم مايريدون بسبب التناقضات الدولية إذ أن دولة مثل الصين التي لها حق الفيتو ستجهض أي قرار في مجلس الأمن ضد السودان بسبب العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
واذا نظرنا الى التواجد العسكري المكثف للجيوش الأوربية والأمريكية في المنطقة العربية في المحيط الهندي والبحار المحيطة يؤكد أن التربص الغربي سيستمر وأن تحرش الغرب بالدول العربية والاسلامية سيتصاعد،والدور الان علي السودان، والقائمة طويلة.. لكن المشكلة التي يواجهها العالم الاسلامي أن الغرب يتحد في مواجهة العالم الاسلامي في حين أن الدول الاسلامية التي تنتظر دورها علي المقصلة تتحرك منفردة، وكل دولة تتعلق بخيط من خيوط العنكبوت.
مايحدث مع السودان يعني أننا أمام نوع جديد من الصراع، يتخفى فيه العدو خلف قناعات خادعة، ويلعب الاعلام دورا محوريا في شيطنة الهدف، وهذا الصراع يحتاج الى نفس طويل وابتكار أساليب عبقرية للانتصار علي المكر المعادي.
وبالنظر الى الواقع علي الساحة العالمية والمتغيرات الاقتصادية والاستراتيجية نكتشف أن العالم الاسلامي تغير ولم يعد كما كان، وهذا في صالح البشير وأي حاكم وطني مستقل، لقد دبت في الأمة روح جديدة من الصمود والرغبة في الانطلاق.
لن تستطع الهيمنة الغربية مواجهة اتساع رقعة التمرد التي نراها الآن في كل العالم، فاذا كانت فنزويلا تقود التمرد في أمريكا اللاتينية، وروسيا في أوربا وايران والصين وكوريا الشمالية في آسيا، فان السودان عليه الصمود وقيادة التمرد في إفريقيا بكل قوة حتي ينجو من حبل المشنقة، وأي تنازل في هذا الصراع معناه هزيمة..
حتي الآن استطاع السودان ادارة الصراع بكفاءة واقتدار علي المستوي الداخلي والدولي، رغم التخلي العربي، والمكاسب التي تحققت في السودان من هذا الصراع كبيرة جدا، أبرزها توحد الشعب السوداني خلف رئيسه، وتحول البشير الي رمز ليس للسودانيين فقط وانما لقطاعات كبيرة في العالم الاسلامي التي تبحث عن قادة يقفون ضد الهيمنة الغربية ويضربون المثل في التصدي والصمود
** بعيدا عن الحماس الزائد، فإن سفر الرئيس السوداني الي القمة العربية قد يكون الفخ المنصوب له، واعتقد أن البشير ومستشاريه علي وعي بذلك، فالخصم واضح العداء ولن يفوت فرصة لاقتناصه بدون مشقة.
[/ALIGN] شبكة محيط – بقلم:عامر عبد المنعم