واشنطن متضايقة من سيطرة الخرطوم على الاوضاع فى دارفور!

نشرت الخارجية الامريكية على موقعها بالانترنت فى السابع والعشرين من شهر مارس الماضي بياناً مطولاً بشأن الاوضاع فى اقليم دارفور بخلاف الحديث المكرور عن استهداف المدنيين وفتح ممرات انسانية لايصال المساعدات للمحتاجين ممن تأثروا بالنزاع، فإن البيان ركز وبصورة واضحة على قوات الدعم السريع، إحدى وحدات الجيش السوداني التى تتصدى لهجمات المتمردين.

وقال البيان إن قوات الدعم السريع هاجمت 16 قرية في شمال كردفان وجنوبها فى الفترة من 15 الى 17 مارس الماضي مستهدفة المدنيين! كما هاجمت قرى أخرى شرق جبل مرة ما أدى الى نزوح 15 ألف نازح. ويبدو أن الذين صاغوا البيان وانغسموا بكليّاتهم فى تعداد ما قامت به قوات الدعم السريع تذكروا فجأة ان هناك بعثة حفظ سلام مشتركة فى الاقليم ولا يعقل -فى وجود بعثة كهذي- أن يحدث كل ما حدث ولهذا ولتفادي الحرج فإن البيان خصص فقرة من فقراته الاخيرة للدعوة (لتمكين بعثة اليوناميد من تأدية مهامها وفقاً لتفويضها)!

لم يكن الأمر يحتاج لكثير عناء لإدراك أن الهدف من وراء البيان بكامله وضع قوات الدعم السريع فى موضع إتهام وتسليط الاضواء عليها بقوة توطئة لجعلها هدفاً تنشِّن عليه القرارات الدولية مستقبلاً باعتبارها قوات ذات فاعلية ميدانية واضحة، ومن المحتمل أن تقلب معادلة القوة فى الاقليم لتحيل الحركات المسلحة الى تاريخ غابر.

واذا علمنا أن الولايات المتحدة وبعض حلفائها يراهنون منذ اندلاع العنف فى الاقليم قبل حوالي عقد من الزمان على ان يتكرر نموذج الصراع الشمالي الجنوبي أملاً في أن يفضي النزاع فى دارفور الى ما أفضت اليه الأمور فى جنوب السودان؛ فإن من العسير على واشنطن ان تتقبل فكرة تغلب القوات السودانية على الحركات المسلحة، وأن يتسيّد الجيش السوداني الميدان العسكري ويسطير على الموقف.

ولهذا لاحظنا أن بيان الخارجية الامريكية حرص على كيل الاتهام مباشرة لقوات الدعم السريع وألحق بها تهمة استهداف المدنيين ثم طالب بفتح ممرات إنسانية حتى يتسنى تقديم الدعم اللوجستي -ليس للمدنيين المزعومين- ولكن للحركات المسلحة التى أجبرها القتال على التراجع فى الفترة الاخيرة لتلوذ بأماكن منزوية ومعزولة صعبة الحركة.

كما يلاحظ أيضاً ان واشنطن -وفى ذهنها التسوية التى توافق هواها- والتى تتطلب دخول الجبهة الثورية فى العملية السلمية، تعمل على المحافظة بشتى السبل وباستماتة على الحركات المسلحة حتى يكون لها (وجود ميداني فاعل) عند الجلوس الى طاولة أي مفاوضات.

ولعل أكثر ما يثير الاستغراب فى هذا الصدد ان الولايات المتحدة -سواء عبر مخابراتها أو حتى عن طريق وسائل الاعلام المفتوحة -تعلم جيداً أن قوات الدعم السريع وحدة من وحدات الجيش السوداني وهي نفسها، أي واشنطن أول من ابتدع مثل هذه الوحدات -ذات التدريب العالي الخاص- فى جيوشها ولديها عشرات الوحدات المختلفة على هذه الشاكلة، ما الغريب فى أن يفعل الجيش السوداني ذات الشيء لمواجهة هجمات المتمردين؟

وغنيّ عن القول ان قوات الدعم السريع بطبيعتها ووفقاً لطبيعة تدريبها ومهامها بإمكانها تجنب إلحاق أي أضرار بالمدنيين إذا دعت الظروف لماهجمة المتمردين أو تحرير منطقة من المناطق يحتلونها؛ كما لا توجد جدوى عسكرية أصلاً إذا ما كانت هذه القوات تقوم بهجمات ضد الحركات المسلحة ليسقط ضحايا من المدنيين! يبدو أن هذه النقطة البالغة الدقة فاتت على فطنة الذين صاغوا البيان.

وعلى كلٍ فإن واشنطن إنما تذرف الدموع على سيطرة الجيش السوداني على الاوضاع فى مناطق القتال لكونه يهدد استراتيجيتها ويجعلها بعيدة عن مجال التأثير على مجريات النزاع.

سودان سفاري
ع.ش

Exit mobile version