منذ صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس البشير والمراصد كافة دون استثناء تتابع باهتمام كبير تداعياته بعد ان واجه رفضا قاطعا من الداخل ، وكما كان متوقعا فقد وقفت الدول الأفريقية موقفا صارما من القرار، ، فيما وصفت مواقف الدول العربية بالضعيفة مقارنة بمواقف أخرى.
ومواقف الدول العربية والأفريقية إحدى الوسائل التي كانت تعول عليها الخرطوم في مواجهة القرار حيث عبر علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية عن ذلك في المؤتمر الصحفي الذي أعقب صدور القرار مباشرة.
فبعد مضي عدة أيام على صدوره أعلن مجلس الوزراء السعودي عن بالغ قلقه وانزعاجه من قرار المحكمة الجنائية الدولية ، وأكد فى بيان له عقب اجتماعه برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز أن القرار لن يؤدى إلى حل المشاكل في السودان، بل يؤدي إلى تفاقمها، واكد وقوف المملكة إلى جانب السودان فى مواجهة كل ما يزعزع سيادته واستقراره ووحدة أراضيه. ووصفت القرار بالـ(مسّيس)، واعلن وزير خارجيتها الامير سعود الفيصل استهجان المملكة ووقوفها مع السودان قلباً وقالباً.
أما مصر فقد كانت اول دولة عربية يصدر عنها رد فعل، واعربت عن انزعاجها الشديد لصدور المذكرة ، وطالب وزير خارجيتها احمد ابوالغيط مجلس الامن الدولي بتعليق العمل بالمذكرة. وجاءت مواقف قادة المعارضة السياسية فى مصر متفقة مع الموقف الرسمي، ودعت مصر مجلس الأمن الدولي لعقد اجتماع عاجل وطارئ بهدف اتخاذ قرار التأجيل. وإلى جانب ذلك دعت لعقد مؤتمر دولي رفيع المستوى للاتفاق على رؤية شاملة ومتكاملة للتعامل مع التحديات المختلفة التي تواجه السودان، وظلت مصر حتى آخر الأسبوع الحالي تضغط على مسألة المؤتمر الدولي والسودان يرفض.
موقف الجماهيرية العربية اللييبة كان واضحا وقويا حسبما يرى المراقبون، حيث أكدت وقوفها مع الشعب السوداني وإدانتها ورفضها بشدة لمذكرة اعتقال الرئيس البشير، واعتبرت القرار سابقة خطيرة تؤكد عدم نزاهة واستقلالية وعدالة المحكمة، وأعتبر موقف ليبيا من المواقف العربية المميزة. وكانت طريقة تعبير الجامعة العربية عن رفضها للقرار مثار استفهام البعض، وربما إحباط آخرين، فالجامعة أعربت فقط عن انزعاجها الشديد لصدور القرار، وشددت على التضامن مع السودان في مواجهة أي مخططات تستهدف النيل من سيادته ووحدته واستقراره، وأبدت اسفها لعدم تمكن مجلس الأمن من استخدام المادة (16). ومضى بعض المراقبين للقول إن التركيز على الأسف لعدم استخدام المادة (16) إعتراف ضمني بالمحكمة وبالجرائم وهو امر لا يتماشى والموقف السوداني الرافض لمبدأ للتعامل مع المحكمة.
وفي دول عربية أخرى مثل اليمن كانت إدانة القرار واضحة ووصفته بالسابقة الخطيرة والتدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول، وقالت اليمن إنه لا يخدم جهود إحلال السلام في دارفور ويهدد الأمن والاستقرار بالمنطقة. وانتقدت عدم اتخاذ أي أجراء من المحكمة لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين.
اما لبنان فقد عممت الرفض لتوقيف أي رئيس عربي أو غير عربي خلال فترة حكمه. واعتبرت أن رئيس الجمهورية له حصانة. وفسر البعض الحديث عن رفض توقيف اي رئيس موقفا لا يتطابق وموقف السودان الرافض للإعتراف بالمحكمة.
وفي الأردن (وهي من الدول الموقعة على المحكمة) أُعلن أنه مع الإجماع العربي في قضية الرئيس البشير. وأكد احترام التزاماته بالمواثيق والمعاهدات التي وقع عليها، في إشارة لتوقيعه على قانون المحكمة الجنائية الدولية، وهي إشارة لم تكن مهضومة لدى البعض واعتبروا ان لها ما بعدها إن جد في الامر جديد.
وأدانت حركة المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي بفلسطين قرار المحكمة واعتبرتاه يعكس ازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع قضايا المنطقة. ودعت (حماس) الدول العربية والاسلامية والاجنبية الى رفض التعامل مع هذا القرار، واعلنت مساندتها الكاملة للرئيس البشير والسودان في مواجهة الاستهداف ووصفت القرار بأنه جائر وظالم وتعسفي.
وانتظرت دول مجلس التعاون الخليجي حتى الخامس عشر من الشهر الجاري لكنها خرجت بموقف قوي، حيث انتقد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية اتهامات أوكامبو، وقال إن صدور مثل هذا القرار لا يخدم الجهود المبذولة لحل أزمة دارفور واحلال الاستقرار في ربوع السودان. واعتبره تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول، وشدد على أن الرئيس السوداني يمثل الشرعية الرسمية المنتخبة في السودان. وقال إنه في الوقت الذي يهم دول مجلس التعاون الشرعية الدولية، فإن دول المجلس حريصة على وحدة السودان واستقرار الأوضاع فيه.
وازاء هذه التصريحات يرى الكثيرون أن موقف الاتحاد الأفريقي كان أكثر قربا وتعضيدا من الموقف العربي اذ تم التهديد بانسحاب (38) دولة أفريقية موقعة على «ميثاق روما»، من عضوية المحكمة الجنائية.
وعبرت دول أفريقية عن غضبها على المحكمة التي اقتصرت في انشطتها على محاكمة الشخصيات الافريقية فقط، وكان جان بينج رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي قد صرح بقوله: نعتقد ان هناك مشكلة في المحكمة الجنائية الدولية التي لا تحكم ولا تستهدف سوى الافارقة كما لو كانت افريقيا مكانا لتجريب افكارهم.
ويتفق د. آدم محمد أحمد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهري مع الرأي القائل بأن الموقف العربي أقل حدة وصوت الجامعة العربية بالذات أكثر خفوتا، وقال إن موقف الإتحاد الأفريقي في كل القضايا أقوى من الدول العربية. وعلل ذلك بأن الدول العربية مقسمة إلى معتدلة ومتطرفة لذلك فهي غير متفقة في معالجة قضاياها. لكن آدم نفسه يعود فيقلل من المواقف العربية والأفريقية مجتمعة ويقول إنه لاثقة في مواقفهم التي قد لا تعدو المجاملات الدبلوماسية، ويضيف أن طلبهم التأجيل يعني أنهم مع المحاكمة… واختتم بأن الأمر لا يعدو المجاملات وأن المواقف الحقيقية شئ آخر. وعلى الحكومة ألا تعول على أي من المواقف. لأن مصالح الدول قد تلعب دوراً كبيراً.
عوض جاد السيد :الراي العام