كارثـة ملعونـة بالشرق .. مشاهد مقززة ومؤلمة

اتساع الشريط الحدودي بالسودان والتهابه في بعض البقع فضلاً عن تواضع القوات الأمنية المنوط بها مهمة التأمين، جعل بالحدود تحدياً أمنياً كبيراً وهي تعاني العديد من المهددات، المعروفة كالتهريب والتعديات والتسلل وغيرها، وقد أضيف للحدود الشرقية الموازية لمنطقة القريشة مهدداً جديدًا وخطيراً يشير إلى كارثة حقيقية، وذلك عندما تفاجأ مواطنو المحلية الحدودية خاصة المنطقة الواقعة بين منطقة مديرية وود كولي شرق نهر عطبراوي وبالقرب من منطقة الأسِّرة تفاجأوا بأسراب من الخنازير الملعونة تشاركهم الماء والكلأ وهي قصة مؤامرة جديدة تحكي «الإنتباهة» فصولها ميدانياً وعبر رحلة شاقة استمرت لأكثر من «18» ساعة، ولكم متابعتنا وقراءة التفاصيل.
خلاصات تناولنا في الحلقة السابقة كيفية دخول تلك الخنازير المرعبة التي اجتاحت الحدود بالقرب من منطقة مديرية وود كولي ونزولها لبرك نهر العطبراوي الموسمي التي يشرب منها الإنسان والحيوان وهي خنازير لم تعرفها المنطقة من قبل مما أثار الرعب والمخاوف وسط المواطنين، كما تناولنا حملات إبادة نفذتها قوة محدودة قتلت فيها حوالي «50» خنزيراً خلال ثلاثة أيام بمعدل «15» خنزيراً يومياً، وأشرنا لاستخدام البنزين والحطب لحرقها، ولكن دون جدوى حيث لم تستطع النيران التهام تلك الخنازير لما تحمله من كميات دهون عازلة وخامدة لألسنة اللهب.
من دوكة عدد من المواطنين الذين يقطنون في المناطق الحدودية اتصلوا بـ «الإنتباهة» يشتكون من غزو خنازير أثارت الرعب في أوساطهم وصارت حديث مجالسهم، وكانت قصص وروايات هاتفية شكلت في مجملها قضية استهداف جديدة إذا أحسنا الظن فيها وجعلناها في أفضل الاحتمالات فإنها جعلت من السودان مكباً للقاذورات والتخلص من الوباء.
لم نتعامل مع تلك المعلومات الهاتفية، بل قررنا أن نحقق في الأمر ميدانياً، وعقدنا العزم على الوصول إلى مواطني تلك المنطقة مهما كلف الأمر، لتحط بنا الرحال من الخرطوم إلى محلية دوكة بعد الظهر، ومنها مباشرة إلى محلية القريشة المنكوبة.
القريشة.. وعورة الطريق من منطقة دوكة إلى محلية القريشة الحدودية مساحات شاسعة ووعرة ومجاري خريف تفرعت من نهر العطبراوي الذي تقوم عليه الحياة هناك، فما من وسيلة تستطيع قطع تلك الفيافي إلا فصائل معينة من المركبات المجهزة والقوية «لاندكروزر أو لاندروفر» فالمحلية يحدها جنوباً محلية القلابات الغربية، ومن الناحية الشرقية الفشقة والجارة إثيوبيا، ومن الناحية الغربية محلية القلابات الغربية وتمتد مساحتها على 32000 كلم2، عدد سكانها «83.394» نسمة، وبها «62» حياً، و«46» قرية، يمارس سكانها الرعي والزراعة والتجارة.
مشاهد وشواهد ظلت تلك المركبة التي تقلنا تصارع في مجاري الخريف وتتعثر وتتوحل وتتوغل على مدار أكثر من ثلاث ساعات حتى وصلت منطقة بركة نورين التي يقطنها حوالي خمسة آلاف مواطن، وبالمحلية شارع ترابي واحد، المواطنون يحملون الماء على خِراج الحمير من نهر العطبراوي المتقطع في هيئة برك متباعدة، فهذه البرك تشكل حياة الناس والبهائم، وهي مياه تستخدم مباشرة في كل شيء، فالمحلية كلها خارج خدمة مياه الشبكات وبها ست مضخات مياه وخزانان، وثلاثة حفائر فقط.
لاحظنا أثناء مرورنا بمشروع فرسان وقرى أم توكل، مربطة، ودكولي، ومديرية ، والأسِّرة لاحظنا مجاري الخريف الضخمة، التي ترقد على جنباتها خنازير متعفنة تمت إبادتها بذخيرة حية، بعضها متقيِّح وبعضها نهشته كلاب ضالة أو أليفة، وبعضها محروق بنيران حولت من جسمه الضخم إلى كتلة سوداء دون أن تقضي عليه، والشاهد في الأمر أن هذه الخنازير ستنتظر فيضان النهر لتتجه غرباً تجاه الولاية التي تشرب بلا كلورة، أما أهلنا بتلك الحدود فإنهم يشربون من تلك البرك مباشرة مع بهائمهم التي أضيفت لها خنازير حية وميتة.
مشهد مقزز ومؤلم من المشاهد المقززة التي رصدناها لخنزير تغوط ما يزن حوالي ثلاثة كيلو جرامات بالقرب من بركة مياه متقطعة بنهر العطبراوي وكان روثه مخلوطاً بالديدان الحية وببوله، لم استطع القرب أكثر من حد البصر، بعدها اخترقت طلقة صدر ذلك الخنزير الذي أبت نيران البنزين أن تقضي عليه.
أما المشهد المؤلم فإن قطيعاً من الأبقار قد نزل ساعتها لتلك البركة ولم يستطع صاحبها ولا القوة التي نفذت الإبادة من أن تحول بين الأبقار وتلك المياه التي ربما قد تكون ملوثة.
مع قيادات المنطقة بعد تلك الجولة توجهنا لمنطقة الأسرة الحدودية وهي منطقة توجد بها قوات نظامية عديدة من الأمن والشرطة وبها حركة تجارية نشطة لمتاخمتها أحد المنافذ الرئيسة بين البلدين وعدد سكانها يتجاوز الأربعة آلاف مواطن معظمهم تجار ومزارعون جلسنا إلى عدد منهم وكانت بداية حديثنا مع الشيخ عبيد الله يحيى أحمد شيخ القرية ـ وننوه إلى نقلنا حديث شيخ القرية كما نطقه ـ وقال:

( أهلنا هنا تفاجئوا بهذه الخنازير التي لم يروها قط في حياتهم وهي حيوانات «كريهة» وفكوها وسط البرك والمزارع، وعرفنا أنها كانت مشحونة في وابورات حبشية وانزعجنا لأنهم قالوا الخنازير دي مرضانة وحذرنا أولادنا منها.. بعد داك كلمنا السلطات في القرية وهم ما قصروا شالوا سلاحهم وبدوا يقتلوا فيها واحدا واحدا بس الذخيرة حقتهم كانت شوية).
سألنا شيخ عبيد الله عن معنى «كريهة» فقال:( دي حيوانات معفنة والمرض ظاهر فيها بتاكل الوسخ وهي ذاتها وسخانة والله محرم أكلها لأنها نجسة وفيها مرض كتير ـ وقال أيضاً ـ عندها وليدات زي الكلب وبدخل رأسها في الطين وبتوسخ الموية البنشرب منها وبتشرب منها البهائم).

وختم شيخ الحلة حديثه برسالة للمسؤولين بالدولة وقال: (لا بد من إزالة الهم دا ودي كارثة لازم تتحسم ودايرين ناس الصحة والمسؤولين في البلد دي يجونا وينتهوا لينا من الخنازير دي ويحموا الحدود وما يخلوا الأمراض تجينا).
نداء المواطنين يقول المواطن علي إبراهيم أحمد: إن الخنازير مريضة ولا بد من إبادتها وسببت لنا قلقا شديدا. أما المواطن التجاني محمدين شرف الدين قال: إن الأجهزة الأمنية بالقرية تعاملت مع الخنازير بسرعة لكن الخنازير متزايدة مما يعني أن الشحنات تأتي من حين لآخر، والأمر يتطلب تصدياً من رئاسة الولاية والحكومة الاتحادية.
اللجنة الشعبية تنبه محمد كوكو سليمان رئيس اللجنة الشعبية قال: إن الخنازير انتشرت في المحلية بصورة كبيرة، وأضاف أنه لأول مرة يرى خنزيراً على الطبيعة، وقال الخنزير محرم على المسلمين وهو ضار ومريض، وقال إنها ترقد في برك المياه التي نشرب منها، وأشار لعمليات الإبادة التي شارك فيها المواطنون مع القوات النظامية، وحث المواطنين حال رؤيتهم لأي خنزير أن يبلغوا السلطات لتتعامل معه وإبادته.
تحركات رسمية الجهة المختصة بولاية القضارف بعد وصول المعلومة شكلت على الفور فرقة للتدخل السريع، وأشارت مصادر مطلعة لتحرك فريق متكامل من اختصاصي الأوبئة والمسح الميداني لتقييم الوضع، الحقت بها في اليوم التالي فرقة تم تشكيلها بالخرطوم وذلك لاحتواء الموقف الصحي وقد ضمت فرق البحث خبراء في مجالات الأوبئة والأمراض وباشرت تلك الفرق أعمالها الميدانية في تلك المناطق أخذت «6» عينات من خنازير حية وأمرت بإبادتها فوراً، وأبدى خبراء الأوبئة ملاحظة فنية حول الكيفية التي كانت تباد بها تلك الحيوانات، مؤكدة على ضرورة الإبادة بشكل علمي وصحيح ووفق معايير معينة، يذكر أن عينات الفحص قد وصلت للمختبر المركزي وفي انتظار النتيجة الحاسمة.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش

Exit mobile version