أثارت تصريحات الرئيس في بورتسودان اللغط بما حملته من لهجة لا تشبه لهجة مبتدر الحوار و الداعي إليه و الحريص على نجاحه ، أو هذا ما وصل لكل المشككين في جدوى الحوار . و منذ يومين أيضاً تم تداول تصريحات مشابهة للدكتور نافع . و كانت التصريحات في الحالتين ليست رداً على شروط المعارضة المعلنة ، من حق المعارضة أن تشترط ما تراه ضرورياً لإنطلاق حوار جاد و قد استجابت الحكومة لبعض هذه الشروط و ما تبقى منها لا يتجاوز في سقفه الأعلى مسألة الغاء القوانين المقيدة للحريات و إيقاف الحرب ، مسألة إلغاء القوانين المقيدة للحريات ليست معضلة إذا تم تحديد هذه القوانين و الإتفاق على القوانين محل الخلاف ، فالخلاف حولها هو بين موقفين ليسا متباعدين بشكل يصعب التعامل معه ، فالخلاف بين الغاءها كشرط للحوار أو موضوع له ، و ليس خلاف حول مبدأ مناقشتها ، و مسألة إيقاف الحرب أيضاً مسألة متفق عليها من حيث المبدأ و لكن الصعوبة تكمن في أن إيقاف الحرب قرار يتوقف إنفاذه على طرفين ، و هذا أيضاً ليس أمراً عسيراً فقوى الإجماع التي تصر على هذا الشرط يمكنها إثبات أن شروطها ليست لتعويق الحوار و إنما لجعله مثمراً و ذلك بإقناع حلفاءها في الحركات المتمردة بالقبول بوقف إطلاق النار بعد أن تصدر الحكومة قراراً بذلك ، إذن يمكن للحكومة أن تكون أكثر مرونة و تبدي مزيد من حسن النية خاصةً و أن تفكيك الإنقاذ الذي يرفضه الرئيس و دكتور نافع لم يطرحه أي طرف كشرط للموافقة على الحوار ، و لذلك من الأفضل أن يُترك الحديث عنه لطاولة الحوار ، حتى لا يفسد ذلك أجواء الحوار و يرسل الرسائل السالبة للداخل و الخارج . من المفهوم أن المؤتمر الوطني لم يتحمس للحوار و يلح في طلب القبول به ليفكك نظامه و إنما لشعوره أن قواعد اللعبة السياسية الحالية لم تعد تصلح ، و أن المعارضة لن تقبل بحوار يبقي الإنقاذ كما هي ، و الأولى أن تترك تفاصيل المعادلة التي سترضي جميع الأطراف إلى الحوار الذي أعلن المؤتمر الوطني قبوله بنتائجه التي بالتأكيد ستتطلب منه تنازلات كبيرة بما يشبه فكفكة الإنقاذ بشكلها الحالي و بالدرجة التي ترضي جميع الأطراف .
المؤتمر الوطني هو الداعي للحوار و الذي يتحدث عن الحرص على مشاركة الجميع فيه ، و يجب أن يعلم أن لذلك استحقاقات أولها هو الإلتزام بسلوك صاحب الدعوة الذي يرغب في أن يلبيها الجميع ، و أول مقتضيات ذلك هو ألا ينفر المدعوين بالإشتراطات المسبقة ووضع السقوف للحوار بلهجة متحدية أو عدائية فهذا آخر ما يحتاجه المؤتمر الوطني الآن إذا رغب في مشاركة الجميع في الحوار . و هناك استحقاقات أكبر تنتظره عندما تبدأ عملية الحوار ، و كلما زاد عدد المشاركين زادت الإستحقاقات الواجب دفعها لإنجاح الحوار و قبول الجميع بمخرجاته ، الخطابات الجماهيرية و الحوارات الصحفية لقادة المؤتمر الوطني يجب أن تتركز على الخطاب الإيجابي الذي يسوِّق للحوار فليس هناك ما يستدعي لغة الشحن العاطفي التي تجعل المؤتمر الوطني يبدو و كأنه مدعو للحوار و ليس صاحب الدعوة .
إبراهيم عثمان