** وهكذا نحن دائماً في السودان، نهوى أوطانا، ولكن نتجاهل بعض أمورنا لحين وقوع الكوارث ذات الصلة بالأمور، ثم نفكر في تلك الأمور المنسية على هوامش الكوارث ..فالتحسب هو لأفضل في إدارة الشأن العام، وشق مجارى السيول والأمطار قبل موسم الخريف خير من إنتظار الخريف ثم ترك مهام شق المجاري للأمطار والسيول .. لو لم تمت الحاجة الزينة بعد مأساة بلغت حد التحول الى قضية رأي عام، لمافكرت وزارة الصحة بالخرطوم في إنشاء محكمة طبية ..أو لو لم يصدر المجلس الطبي قراراً بايقاف الدكتور كمال أبوسن، لما خرج وزير الصحة بالخرطوم للناس والصحف بفكرة إنشاء محكمة طبية .. والله أعلم أي الأمرين هو الجلل – مأساة الزينة أم إيقاف أبوسن – بحيث أرغم وزارة الصحة بالخرطوم على هذا التفكير ..؟؟
** المهم.. المحكمة الطبية ليست بدعة سودانية، بل معمول بها في معظم دول العالم، الأول منه والأوسط ثم الأخير المسمى بالثالث ..مصر سبقتنا بعقود في تأسيس تلك المحكمة المختصة بالقضايا الطبية، وكذلك السعودية..ومع ذلك، هنا من يرفض الفكرة بمظان أن مجرد التفكير في إنشاء محكمة طبية يعني إدانة مسبقة للطب والأطباء، أو هكذا تبريرهم للرفض .. في تقديري، هذا التبرير لايقف على سيقان المنطق..ولو كان التفكير في مثل هذه القضايا يتم بهذا المنطق، لما كانت في بلادنا أية محكمة، مختصة كانت أو عامة.. فالمحاكم – بكل أنواعها – لاتعني إدانة المجتمع، بل تعني وقايته – وإنصافه – من أخطاء المخطئين..وعلى سبيل مثال المحاكم المختصة، أن تكون بالمدائن نيابات ومحاكم الضرائب والجمارك والصحافة والنفايات والإتصالات وغيرها، لاتعني أن الشعب مدان حتى يثبت براءته بواسطة تلك المحاكم أو إحداها ..!!
** ثم، وهذا أمر يشترك فيه الطبيب مع الصحفي، خير للطبيب أن ينظر في قضيته جهة عدلية بدلا عن تنظر في ذات القضية جهتين، إحداها عدلية وأخرى مهنية..نعم، ليس من العدل أن يتلقى الطبيب – وكذلك الصحفي – عقابين في (قضية واحدة)، أو هذا ما يحدث حالياً.. عقاب المجلس الطبي لا يمنع أهل المريض عن اللجوء إلى المحكمة أيضاً، بل عقاب المجلس بمثابة مستند إتهام بيد محامي أهل المريض.. وكذلك حال الصحفي في حال تمرير القانون المرتقب بلاتعديل، إذ يعاقبه مجلس الصحافة ثم تعاقبه المحكمة في ذات القضية ..ليس من العدل أن تتعدد العقوبات وجهاتها في (قضية واحدة)..وكذلك خير لعلماء المجلس الطبي – ولأساتذة مجلس الصحافة أيضاً – أن يبتعدوا عن مواجهة زملائهم وتلاميذهم في مواقف تستدعي التحري والتحقيق ثم الحكم – على الزميل او التلميذ – بالإدانة أو بالبراءة .. !!
** نعم، أن يبقى المجلس المهني – أي مجلس مهني – مهنياً مساهماً في تطوير المهنة، خير من أن يكون مجلساً عقابياً فقط لاغير ..وأي متأمل في عمر القضية التي حكم فيها المجلس ضد الدكتور كمال أبوسن – أربع سنوات تقريباً – يكتشف بلا عناء سلحفائية مراحل التحري والتحقيق، وهذه السلحفائية ليست من قيم عدالة، بل من (المكروهات).. فالعدالة الناجزة تعني باختصار (السرعة والدقة)، وليست ( اربعة سنوات تحري وتحقيق ثم إدانة أو براءة)..عمر هذه القضية – نوفمبر2009 / ديسمبر 2012 – يكشف (إمكانيات وقدرات المجلس الطبي)، ويثير تساؤلا من شاكلة : كم قضية بطرف المجلس؟، وبحاجة الى كم قرن ليتحرى ويحكم في قضايا العام (2013) ..؟..فالكادر العامل بلجان المجلس – لضعف الميزانية – غير متفرغ، بل يجتمع أسبوعياً وأحياناً شهرياً، وهنا يتجلى ( إهمال الحكومة)..على كل، شكراً للأمين العام السابق للمجلس الطبي على جهد التفكير قبل ست سنوات..فليتواصل التفكير – ولكن جماعيا- في إنشاء آلية عدلية مختصة تحفظ حقوق ( المريض والطبيب معاً)..!!
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]