رفعت حاجة (صفية) صوتها وقالت بحدة تخاطب (زينب) زوجة شقيقها (الطاهر):
كيفن يعني قالت خلاص ما دايراهو ؟ تحسبو لعب ؟ ود الناس بعد قصيتو قلبو بالمزازة وقديتو جيبو بالصرف تقولو ليهو يفتح الله ؟!! عاد اتلومتو لوم الحجار والجبال !!
كانت (زينب) تستمع لكلام حماتها في ضيق، لم تتحفظ في اظهاره عن طريق رفع الحواجب والنظر لمحدثتها بطرف العين، ثم مصمصة الشفاه كناية عن أن حديثها لا يجد منها الاعتبار الكافي لتتكبد مشاق الرد عليه، وعندما طال انتظار العمة لرد لن يأتي واصلت كلامها في حرقة قلب:
ما تردي علي مالك مخلياني انضم براي زي المجنونة ….
قاطعتها (زينب) بزهج:
يختي هداك أخوك وبتو .. أمشي أسأليهم أنا مالي غرض ..
فأسكتتها (صفية) بدورها:
الكلام دا علي أنا يا سمور أم الأمور؟!! وحات الله اللعبة دي من تحت راسك انتي وبتك المجوجوة وماعندها قلب .. الطاهر أخوي يا حليلو عندو معاكم كلمة ؟ قايداتنو وراكم زي النعجة لا راي لا شورة!!
كانت (صفية) امرأة (دغرية) صارمة صريحة ، تحمل من صفات الزعامة، وفائض من الوقت اتاحه لها حرمانها من الزرية، ما أهلها لتكون ضابط الايقاع وراس القايدة في متابعة سير وسلوك أفراد أسرتها الكبيرة، وبحكم طبعها كان لا يعجبها الحال المايل، ولا التصرف الخطأ أي من كان مرتكبه .. ان أتى من صغير قوّمته ما استطاعت باليد أو المفراكة أو تلحيق الشبشب، وان جاء من كبير واسته بلسانها الطويل والزمته الحد لا يبارحه ..
من أكثر الأمور التي ادخلت فيها لسانها لتقوم اعوجاجها وفشلت، كان ضعف شخصية شقيقها (الطاهر) وعجزه عن فرض قوامته على أسرته، مما ترك المجال لزوجته (زينب) لتفرض نفوذها وأسلوبها في ادارة الأمور، وذلك ما جعل المرأتين في حالة دائمة من المواجهة والترصّد، ومن ذلك ما حدث عندما تقدم (يوسف) لخطبة ابنة اخيها (ولاء) ..
تحفظت الحاجة على فكرة اعلان الخطبة لأن البنت صغيرة، فوقتها لم تكن قد اكملت عامها الدراسي الثاني في المدرسة الثانوية، ولكن ألقمتها (زينب) حجر الحجة بأن:
البت قالت دايراهو وهو معلّق فيها .. عاد نديهو ولا نخليهو يزوزي بيها بره بره ؟!
بعد اعلان الخطوبة، صار احتجاج الحاجة على اقامة الخطيب شبه الدائمة في بيت شقيقها .. ان مرت ببيتهم في الظهيرة صادفته وهو يعيد (ولاء) من المدرسة .. وان عاودتهم في العصرية وجدته يتوسط مائدة غدائهم، بل ويعزم على الضيوف ويغمز بعينيه لصغير القوم ليأتي بالزيادة لصحن الملاح .. حتى عندما تأتي بعد صلاة العشاء لتأخذ بستلة اللبن كانت تجده امام التلفزيون في طرف الحوش، بحجة متابعة المسلسل التركي مع ابناء شقيقها، بينما عيناه الوالهتان تتابعان من بعيد خلود (ولاء) لسريرها واستعدادها للنوم ..
يطرشنا ويعمي جيرانا من جنس دا يا أخواني ؟!! انتو الولد دا خطب وللا عقدتو ليهو عديييل يا الطاهر؟ خلى الوراهو والقدامو وبقى مصاقر البنية .. ما تقرع الجنى خلي اليقبل يشوف شغلتو شوية.
ولكن (الطاهر) لم يكن يستطيع ترضية شقيقته، ولا طاقة له بـ قرع خطيب ابنته أو منعه من استباحة حيشان البيت، وذلك ببساطة لأن من لا يمتلك قوته لا يمتلك قراره، بعد أطعم (يوسف) الفم فاستحت العين، ومع أنه لم يكن ميسور الحال، وكل رزقه يأتيه من بوتيك صغير في السوق الشعبي لحاضرة الاقليم الذي يقيمون فيه، إلا انه لم يبخل يوما على محبوبته ولا أسرتها، ولم يقف مكتوف الأيدي أمام ضيق ذات الجيب وعسر المعيشة التي تعانيها أسرة مخطوبته ..
ظل الحال على ما هو عليه لمدة عامين، حتى انتهت (ولاء) من امتحان الشهادة، وكان من المفترض أن يكملوا الزواج حسب الاتفاق، ولكنها أصرت على التأجيل واعلنت رغبتها في الذهاب للخرطوم، لاكمال دراستها في احدى الكليات الجامعية الخاصة، فلم يجد (يوسف) بد من الموافقة بل وحتى دفع تكاليف الدراسة الباهظة، من أجل خاطر عينيها الحبيبتين ..
غابت (ولاء) في غياهب الخرطوم، وغيّب غول السوق تجارة (يوسف) وحاصرته الديون .. قصور المتابعة مع قلة العايد وزيادة المنصرفات، بعد دخول بند ميزانية الصرف على الجامعة، جعل البوتيك يعجز عن حمله فخر صريعا تحت وطأة الشيكات واجبة السداد، ثم جاءته الطامة عندما عادت (ولاء) في نهاية العام الدراسي، بقرار فسخ الخطوبة ..
أسرت لشقيقاتها ثم ساررت أمها عن خيار جديد وشديد، بعد أن استنفد القديم اغراضه واستوجب التبديل .. طنطنت عمتها وهي تغادر بيت شقيقها غاضبة:
أكلتو ود الناس لحم ورميتهو عضم .. شاحدة الله الكريم يلم فيكن انتي وبتك الخاينة يختّكن كفتة !!
منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]