ينبغي أن لا يمرهذا المشهد هكذا على دائرة التفكير العربي مر السحاب.. إنه حدث كبير وتأسيسي لمرحلة ما بعد “الربيع العربي”. وبالمناسبة، لا يفيد كثيرا طرح أسئلة بين يدي الحدث على شاكلة: لماذا الآن..؟ ألم يكن مجديا لو اختصرنا كل هذه التضحيات والمعاناة والزمن؟ لن يكون مفيدا أن نندفع إلى التساؤلات المرة حول افتراقنا العنفي فترة طويلة فيما نحن نواجه الأخطار المحدقة بالبلد على كل الأصعدة، لا سيما الصعيد الأمني، حيث تعرض السودان أكثر من مرة لاعتداءات عسكرية صهيونية وأمريكية أودت بالعشرات من أبنائه.
نعود للتأكيد بأن ما حدث شيء كبير وتأتي أهميته في توصل كل القوى السياسية، بما فيها الرئاسة، إلى قناعة تامة بحقيقة ناصعة أنه لا يمكن لطرف من الأطراف التفرد في بناء السودان والحفاظ على وحدته والتصدي للعدوان الخارجي. فكان لا بد من تجدد روح المسؤولية بإزاحة ما تكلس على الآليات السابقة والشروع خلال مشاركات الجميع للسير نحو أهداف متفق عليها وبآليات تسمح للجميع بأن يتقدموا بعطاءاتهم لاستيعاب كل التنوع السياسي والثقافي والفكري كما أشار الشيخ حسن الترابي.
لقد أثارت مرحلة “الربيع العربي” المشهد وكادت مكوناته تتشظى بفعل غياب البرنامج والرؤية والمرجعية.. ولا نزال نعاني في كل مناطق الربيع العربي في تونس وليبيا واليمن ومصر وسوريا جراء ذلك.. لقد اختلفت النتائج من بلد إلى آخر وفقا لاختلاف المكونات الثقافية والسياسية والاجتماعية إلا أن المشترك هو الفوضى التي تضرب المجتمع والدولة.
انتهى السودانيون إلى هذه النتيجة.. وهي نموذج لا بد من تأمله على اعتبار أنه حالة نضج سياسي ومسؤولية عندما جُعل التشاور الوسيلة المثلى وجُعلت المشاركة المنهج المتين.. إنها نقلة بعيدة وهي من جديد تؤكد أن حراك الشعوب قد أتى بنتيجة جوهرية متمثلة في تكسير روح التأله داخل الحاكم.
لابد أن ينجح السودانيون في جعل هذه التجربة متألقة ومثمرة ومفيدة ذلك لصالح السودان شعبا وأرضا، وأيضا لصالح الأمة كلها التي هي في أمس الحاجة إلى ممارسة سياسية ناضجة بعيدا عن تصادم مكوناتها.. من هنا يجيء الاهتمام بالمشهد السوداني الأخير وتسليط الضوء عليه وتحليل ظروفه والبحث عن ضمانات أن يصل إلى غاياته بنجاح.. تولانا الله برحمته.
الشروق اون لاين