يستقبل السودانيون ذكرى انتفاضتهم الشعبية في أبريل 1985، التي أطاحت بالمشير جعفر النميري بفتور لافت، شأنها كذكرى ثورة أكتوبر 1964 التي أطاحت بالجنرال إبراهيم عبود، ويبدو أن السودانيين يبحثون عن طريق ثالث ربما تبدَّى في “مبادرة الحوار”.
وأطلق الرئيس عمر البشير مبادرة للحوار الوطني في 27 يناير الماضي، ويجتمع ليل الأحد إلى نحو 90 حزباً وتنظيماً سياسياً لتحديد الآليات المناسبة لابتدار الحوار وفق ما أفاد وزير الدولة بوزارة الإعلام ياسر يوسف.
وعاش السودان الربيع العربي باكراً باقتلاع نظامين عسكريين، لكن الأنظمة الديمقراطية التي كانت تلي أنظمة الحكم الشمولية -على قصر عمرها- كانت دائماً ما تعصف بها الخلافات والمماحكات السياسية شأنها شأن أول حكم وطني بقيادة الراحل إسماعيل الأزهري.
رأي عام
المهدي ظل دائماً يحذر من الاطاحة بنظام الحكم بالقوة
وتشكَّل ما يشبه الرَّأي العام في السُّودان بأنَّ تغيير نظام الحكم الحالي بقيادة المشير البشير المستمر في السلطة منذ 1989، عبر ثورة أو انتفاضة شعبية ربما يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه بالنظر إلى انتشار حركات مسلحة مطلبية في غرب وجنوب البلاد.
وتعزز هذا الاتجاه بتصريحات متعددة لرئيس الوزراء السابق وزعيم حزب الأمة القومي، الصادق المهدي، تدعو إلى عدم استخدام القوة مع النظام.
ونسب إلى المهدي -الذي أطاح انقلاب البشير بحكومته الديمقراطية في 30 يونيو 1989- تحذيره في ديسمبر الماضي قائلاً “إن أي محاولة للإطاحة بالنظام بالقوة ستؤدي إلى معارك مسلحة، ما يتطلب السعي للتغيير بلا عنف وبالقوة الناعمة”.
مخرج وحيد
الجزولي دفع الله: الحوار الوطني المخلص والجاد هو المخرج الوحيد من الأزمة السياسية الراهنة
ويمضي رئيس مجلس وزراء حكومة الانتفاضة د. الجزولي دفع الله في ذات الاتجاه وهو يقول لصحيفة “التغيير” السودانية الصادرة يوم الأحد “إن الحوار الوطني المخلص والجاد هو المخرج الوحيد للخروج من الأزمة السياسية الراهنة”.
ويضيف دفع الله -الذي يعد أحد أبرز رموز انتفاضة أبريل- “لو دخلت البلاد في ثورة شعبيةـ فإن نهايتها قد تكون مظلمة”.
ومنذ نيل السودان لاستقلاله في الأول من يناير 1956، عرف السودان ثلاثة أنظمة ديمقراطية وثلاثة انقلابات عسكرية وحكومة انتقالية واحدة بقيادة المشير عبدالرحمن سوار الدهب، تسلمت مقاليد الأمور عقب انتفاضة أبريل 1985 وأشرفت على تنظيم انتخابات عامة قادت إلى الديمقراطية الثالثة.
وتمكن الفريق إبراهيم عبود من الاستيلاء على السلطة في 17 نوفمبر 1958، كاتباً النهاية لأول حكومة ديمقراطية بعد الاستقلال، لكن سرعان ما ثار السودانيون على عبود في أكتوبر 1964 لتعود البلاد مرة أخرى إلى أحضان نظام ديمقراطي لم يعش سوى خمس سنوات، حيث قاد العقيد حينها جعفر النميري انقلابه في 25 مايو 1969، ليحكم البلاد 16 عاماً انتهت بانتفاضة أبريل.
دورة خبيثة
الرئيس البشير دعا مراراً لكسر (الحلقة الخبيثة)
وتقلُّب السودان ما بين أنظمة ديمقراطية وعسكرية، هو ما جعل الرئيس عمر البشير يدعو للخروج عمَّا أسماه في أكثر من خطاب بـ”الدورة الخبيثة”، وربما شكلت دعوته للحوار ولقاؤه قادة القوى السياسية في الذكرى الـ 29 لانتفاضة أبريل ليل يوم الأحد، كسراً لـ”الدورة الخبيثة” رغم تحفظ أحزاب اليسار.
واستبق تحالف قوى الإجماع الوطني المعارض، اللقاء الذي دعا إليه الرئيس البشير الذي سيعقد ليل الأحد في الخرطوم، بتأكيد رفضه المشاركة فيه، وجدد موقفه بعدم الدخول في أي حوار مع النظام الحاكم، مالم تتم الاستجابة لشروط أعلنها سابقاً.
وينتظر أن يلتئم اللقاء بحضور أحزاب مؤثرة على رأسها حزب الأمة القومي برئاسة الصادق المهدي، والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة محمد عثمان الميرغني، والمؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي.
شبكة الشروق