الحركات الدارفورية المسلحة.. هل تتحول إلى ظاهرة تاريخية مندثرة؟

يبدو موقف الحركات الدارفورية المسلحة من قضية الحوار الوطني الشامل المطروحة حالياً متسقاً فى جزء منه مع مواقفها السالبة المعروفة برفضها المتكرر للتفاوض دون مسوغات موضوعية واضحة، ولكن هذا الموقف فى ظل المتغيرات والمعطيات السياسية التى بدأت بالتشكل فى الراهن السوداني الماثل لم يعد موقفاً سالباً يباعد بين هذه الحركات وبين المسار الوطني ككل فحسب؛ ولكنه بات بالفعل يشكل خطورة حقيقية وجدية على هذه الحركات.

ربما يكابر بعض قادة هذه الحركات ويساوره الاعتقاد أن أوان قطف الثمرة من على الشجرة لابد أن يحين، وقد يعتقد البعض الآخر ان باستطاعته فى المستقبل القريب الحصول على الكيكة كلها، ولم لأ، فالروح السائدة لدى هذه الحركات هي أصلاً روح مغامرة ومقامرة ولكن حقائق الواقع غير ذلك تماماً.

أولاً، مهما كانت الحسابات والأوزان والمآلات فإن هذه الحركات المسلحة فى خاتمة المطاف لن تعدو كونها مجرد قوى مسلحة سيتحتم عليها التحول الى قوى سياسية، ومعنى هذا أنه لا مجال لها للنظر الى ما هو أبعد من ذلك، ففي حلقة ضمن حلقات السلسلة الحزبية الكبيرة فى السودان يعتمد بقاؤها وعطاؤها على وزنها السياسي وأطروحاتها ومن ثم فإن اصرار هذه الحركات المسلحة -رغم كل ما يُعرض عليها- على عدم التفاوض اعتقاداً منها أنها تنتظر الأفضل هو دون شك خطأ فادح لم يحن الأوان بعد لتدركه، وربما فات عليها أن أحزاباً تاريخية عريقة أمثال الاتحادي الديمقراطي والأمة القومي وغيرهها تكابد مكابدة مريرة لكي تبقى على قيد الحياة، فما بالك بمجرد حركات مسلحة عمرها لم يتجاوز العشرة أعوام؟

ثانياً إن كانت هذه الحركات المسلحة تتمثل بالحركة الشعبية الجنوبية وتعقد أن ما قطفته الأخيرة من ثمار من الممكن أن تقطفه هي أيضاً فإنها الآن -إن كان لها نظر ثقاب- تعاني الأمرَّين، فهي تكابد تجربة الحكم بكل مستحقاته الشاقة وإمكانية الاخفاق والخروج من البوابة الخلفية للتاريخ بغير رجعة؛ وتعاني فى ذات الوقت من أطماع السلطة والخلافات السياسية الحادة المسنودة بالسلاح، فالشكلة دائماً فى مثل هذه القوى المسلحة التى تأسست على السلاح وحده أن منسوبيها سيظلون يراهون على السلاح الى الأبد وأن كل قيادي تواتيه مشاعر المطامع والطموحات فيركن الى السلاح، ولم لا؛ أليس هو الذي حقق لهم ما تحقق؟

ثالثاً، حتى على مستوى اقليم دارفور فإن هذه الحركات المسلحة تجهل جهلاً مريعاً أنها ليست خياراً لأحد فى الاقليم . ربما كان الأمر كذلك فى بدايات العمل المسلح حين كان الظن أنها حركات احتجاجية ترنو الى الافضل بلغت أنظار المركز، ولكن سرعان ما تبدد ذلك الخيار حين راق لهذه الحركات اسلوب العمل المسلح وحياة الحروب وعقدت ارتباطات مع جهات اجنبية وقبضت أثمان مقدمة لشيء مجهول ولبضاعة لم تُصنع بعد!

وعلى ذلك فإن الحركات الدارفورية المسلحة للأسف الشديد -أضحت فى كل يوم تثير حيرة المراقبين، وتدخل نفسها فى مآزق بلا نهاية ومن المؤكد أنها بهذا المسلك لن تعدو أنها مجرد (ظاهرة سياسية تاريخية) شهدتها دارفور وقفت بشأنها أحكام التاريخ فجعلتها نسياً منسياً.

سودان سفاري
ع.ش

Exit mobile version