حينما تمكنا من اجتياز حاجز وزن العفش وولجنا الى قلب مطار الخرطوم بدءنا نتحسس انفسنا رايت من بين الوجوه الدكتور اسامة الريس مدير مدينة إفريقية للتكنولوجيا ..اسامة في الاصل استاذ هندسة بجامعة السودان تلقي دراساته العليا بين المانيا وتركيا تربطه صلة قرابة بالدكتور غازي صلاح الدين وصهر للبروفسور ابراهيم احمد عمر.. تولى منصب وكيل جامعة السودان قبل ان يبلغ الأربعين وأبلى بلاءا حسنا..دكتور طارق استاذ التاريخ بجامعة الخرطوم طارق يتحدث التركية بصورة مذهلة جعلته يتولى الترجمة اثناء احدى فعاليات المؤتمر ..لم يكن غريبا هذا الانجاز فالرجل حضر الدكتوراة بتركيا.
مضت الرحلة بهدوء حتى وصلنا الى العاصمة المنامة نحو التاسعة صباحا.. لن تمكث هنا الا ساعتين ونستغل طائرة اخرى الى بغداد..اول ملاحظة ان البحرين دولة غالية جداً عشرة دولارات تكفي بالكاد لتناول كوب قهوة مصحوبا بقطعة كيك..هنا الدينار البحريني يقترب من الثلاث دولارات ..بعد استراحة قصيرة تحركنا نحو الطائرة.. لاحظت فوجا كبيرا من سيدات البحرين المحتشمات جداً يسبقننا الى جوف الطائرة .. بعدها استوعبنا ان النسوة اللائي يرتدين الملابس السوداء في طريقهن لزيارة العتبات المقدسة في كربلاء.
حينما وصلنا بغداد منتصف ظهر يوم الثلاثاء الموافق ١٨ فبراير شعرنا اننا في أجواء غير عادية..المطار يبدو كئيبا وغير مزدحم..نحن الان داخل البص الكبير الذي سيدخلنا الى المطار .. قبل ان يتحرك البص وجه سوداني يظهر ويقسم ان نذهب معه ..دكتور مالك يقدم الرجل باعتباره قنصل السودان ببغداد السيد عوض الكريم..القنصل جاء مستقبلا لوفد الحواتي الزائر وشرحنا للقنصل ان عربته لا تستطيع حمل اعضاء الوفدين ووعدناه بالاتصال به لاحقا..في المطار كان وفد من أمانة مجلس الوزراء العراقي في انتظارنا.. دقائق معدودة يكمل الوفد ترتيبات الدخول الى العاصمة العراقية.
امام صالة الوصول كانت في انتظارها ثلاثة سيارات مصفحة من ذوات الدفع الرباعي استغربت لماذا العدد الكبير وبإمكان سيارة واحدة ان تستوعب وفدنا المكون من تسعة أشخاص .. انتبهت لهذا التكتيك حينما رأيت سيارة عسكرية لانكروزر المسماة (تاتشر) في السودان تتقدم وفدنا.. نحن الان في طرقنا لفندق المنصور العتيق والذي يرقد على ضفاف دجلة.. اكثر من عشرة حواجز عسكرية كانت تفحص موكبنا..رجال الأمن العراقي ينظرون إلينا بحذر ..يدققون في وجوهنا ثم يتصدقون بابتسامة بعد ان يدركوا هويتنا.
بغداد تبدو حزينة ومرهقة.. صورة لرئيس الوزراء نوري المالكي يحيط به عسكر مدججون بالسلاح ترتفع في احد الشوارع وتلخص حكاية العراق مع الحرب..الدخول لفندق المتصور ذو الأسوار العالية يتطلب تفتيشا دقيقا للعفش.. اما نحن معشر النزلاء فينبغي علينا ان نمر عبر بوابة الكترونية حتى يتأكدوا اننا لسنا إرهابيين .. بعد ان تتجاوز أسوار الفندق فا انت تلج الى عالم العراق الحقيقي حيث الكرم وحسن الضيافة والترحيب بالسودانيين .
في الفندق تعرفنا على وجهين من اهل السودان ..زكريا ملامحه تبدو اقرب الى بدوي عراقي لفحته شمس الصحراء وجعلت على وجهه اثر من السمرة..زكريا يؤكد انه أقام في بلاد الرافدين أكثر من ثلاثين عاما ويعمل في هذا الفندق منذ سنوات..في اليوم الثاني كان هنالك وجه سوداني اخر..صلاح من ابناء مدينة ود مدني يرتدي بدلة إفرنجية أنيقة توحي بانه يشغل منصب كبير في فندق المنصور صلاح اكد ان بناته يدرسن في الجامعات العراقية مع العراقين جنبا بجنب.
عبدالباقي الظافر– الصيحة