صمت وأحسست بشيء من الإحراج.. قال لي الأستاذ: “والله لو ماعرفتيه أنا حأفكر جادي أرفدك من الجريدة”.. زاد إحراجي فيبدو أنه شخص مهم.
كان الرجل يبتسم ابتسامه هادئة وينظر إليّ، حاول التخفيف عني من قسوة أستاذ لطيف، وقدم لي نصائح في عملي الصحفي، أذكر أنه قال: “لازم الصحفي يكون شجاع”.
بعد دقائق متواصلة من الإحراج، قال لي أستاذ محمد لطيف باستهزاء: “ياهو ده الفضل.. بالمناسبة ده الأستاذ محجوب شريف”.
نظرت إليه وسألته بدهشة: “انت أستاذ محجوب شريف؟!”.. فأجاب والابتسامة لم تغب عن وجهه: “نعم”.. رددت عليه بسرعة: “أنا بحبك جدا”.
واصل أستاذ محمد استهزاءه، وهذه المرة بشيء من الاستغراب، قائلاً: “بتحبيه كيف وإنت ما بتعرفيه؟” أجبته: “لم أكن أتخيل يوماً أن يأتينا في الصحيفة”.. أسمعته أبياتاً من قصائده، حتى يصدق الاثنان، جلست معه قليلاً وغادرت.
أراه في مناسبات متباعدة، وأعلم تماماً أنه ليس من السهل الكتابة عنه، هو رجل المبادئ والقيم، شاعر الشعب الذي أحبه الجميع.. لم تشدني حكاوي وتثير اهتمامي إلا تلك التي يحكيها المقربون منه، لا زلت أذكر زميلنا وصديقنا محمد غلامابي الذي كان يحرر في (الأخبار) صفحة رد الجميل، و(رد الجميل) هي المنظمة الخيرية التي أقامها محجوب شريف لرد الجميل للشعب الذي ساعده في رحلة علاجه عام 2007. كان غلامابي يأتينا منتشياً سعيداً، وحينما نسأله يقول لنا: “كنت مع محجوب شريف”.
ما من أحد اقترب منه إلا وتأثر به، قصصه وأخلاقه ومواقفه لا تنضب، حب الناس له واهتمامهم به لا يقل، سمعته الطيبة وعلاقاته القوية لم تهتز.. كلمته المؤثرة لم تضعف وأعماله الخيِّرة الصالحة لم تتوقف.
إنسان من طراز فريد، كان يذهب إلى المطار منتصف الليل، لينتظر دواءً مُرسلاً من الخارج يشفي مريضاً. عربة الإسعاف التي سخَّرها للفقراء والمحتاجين، أقلّت كم وكم من مريض.. إن أعمال الخير عنده كثيرة ومتنوعة، لم تتوقف عند الكتابة والقلم، إنما أخذت البعد المادي والنفسي والبدني.
يُحب أن يكون معطاءً بأي شكل لآخر لحظة في حياته، هم هكذا الطيبون، صادقون ثابتون يمنحون ويعطون لا يأخذون..
ضلك كم ترامى ** حضنا لليتامى
خبزاً للذين ** هم لا يملكون
بنفس البساطة ** والهمس الحنون
ترحل ياحبيبي ** من باب الحياة ** لي باب المنون
ألا رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته بين الصديقين والشهداء، وألهمَ أسرتك وهذا الشعب الذي أحببته، الصبر وحسن العزاء.
لينا يعقوب