يا اخياتي بغرت منها .. ومن جيت البيت كرشت كرعي وقلتا النجلط لي فيهن حنة !
لم نكن وقتها نعلم ما الفرق بين الغيرة والبغر الـ (بمعّط الشعر) .. فقد كنا نحسب أن البغر نوع من الغيرة السالبة ان جاز التعبير بل ونعده واحدا من اسماء الدلع لـ الحسد، الذي هو استكثار النعمة على من انعم الله عليهم وتمني زوالها.
ولكن يعتبر البعض ومنهم حبوبة بتول – أن الحسد هو نقيض البغر، وبأن البغر هو نوع من الغيرة الايجابية التي تدفعك للسعي في سبيل الحصول على ما اعجبك عند الآخرين، مستندين في ذلك على المقولة الشهيرة التي تطلقها النساء عادة عند التعليق على شيء جميل يتمنين الحصول عليه دون تمني زواله ممن يحظى به:
بغرّانين لكن ما حاسدين .. الله يبارك ليهم في العندهم ويدّينا زيهم !
تعرف الغيرة العاطفية بين المحبين بأنها عبارة عن أفكار وأحاسيس وتصرفات تحدث عندما يعتقد الشخص أن علاقته القوية بالمحبوب مهددة من قبل طرف آخر منافس، وهذا الطرف الآخر قد يكون مدرك ومن ثم قاصد خراب العامرة بين الحبيبين، أو غير مدرك بأنه يشكل تهديد لتلك العلاقة وبالتالي فهو بريء وما عندو في الحاصل ذنب.
والغيرة المعتدلة من الاخلاق المحمودة في الاسلام فقد كان صلوات الله وسلامه عليه يقول:
(من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغضه الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما ما يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة).
والرجل الذي لا يبالي بما تفعله محارمه أو (الرجل الديوث) مكروه في الاسلام، وهو الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه (الذي لا يبالي من دخل على أهله).
لم تظهر الغيرة كثيرا في مفردات أغاني الحقيبة القديمة، وحسب ظن شخصي الضعيف يعني ما ضعيف شديد فأعتقد أن السبب في ذلك أن التواصل الاجتماعي لم يكن متاحا للاحباء، ولا تتم اللقيا بينهم إلا في السر وبعيدا عن اعين الوشاة والراصدين وبالتالي فلا مجال في تلك العلاقات المشحتفة للغيرة، فالغيرة تأتي برضو حسب ظني من مراقبة افعال وتصرفات الحبيب مع الاخرين، ومن ثم الشعور بالغيظ أو الحنق من توجيهه الاهتمام لشخص معين أو أن يكون المحبوب نفسه محط اهتمام وعناية ذلك الشخص فيتسبب ذلك بتعكير صفاء الحبيب الغيور.
ولكن بعد أن شهدت الحياة الاجتماعية من الخمسينيات ولي جاي – نوع من الانفراج في العلاقات الاجتماعية وسمحت بالاختلاط بصورة محدودة، وبالتالي اعطت الحبيب فرصة متابعة علاقات المحبوب مع محيطه فـ ظهرت مفردات الغيرة في الاشعار الغنائية، وان شابها شيء من المبالغة في اظهار الغيرة كما غنى وردي:
من قرايبك ومن صحابك يا حبيبي بغير عليك
حيث لم يترك ظنا آثما أو غير آثم بالغيرة، دون ان يلصقه بالمحبوب حتى أنه بالغ بالقول ( كل من قال كلمة احبك افتكرتو بيقولا ليك .. كل من قال يا حبيبي افتكرتو بشير إليك .. واي عاشق لو تغنى قلتا لازم شاف عينيك
وقد عبّرفيها شاعرنا المبدع (عثمان وقيع الله) عن الحالة الصعبة من (وهمة الغيرة) التي يكابدها العاشق !
ولعل أحلى ما قيل عن الغيرة على المحبوب من (الهواء الطائر)، ما تغنى به الكاشف في اغنية (بغير عليك) واستميح احباب اللطائف في ايرادها كاملة كون انها كاسرة فيني ضلعة وكده:
بغير عليك من جمال خديك .. من الزهر الفتح حوليك بغير عليك
من السحر الفي عيونك بغير عليك .. من سمارة لونك بغير عليك
وانت ما داري .. يا سبب ناري ..
قالو سماري كل امالي نظرة من عينيك بغير عليك
يا ناسي وفاك .. هواي وهواك .. جاين سوى .. انت الدوا ..
بهوى رضاك وبتمناك .. وبشتاق ليك .. ومن عينيك بغير عليك
كيف انساك وانا في لوعة .. وانت ملاك زايد روعة
بس يا جميل حاسب واوعا .. لاني كتير عليك بغير .. طول عمري وايامي استوعة
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com