اليوناميد .. التقصير الذي يرقى لدرجة التواطؤ !

دعت بعثتيّ الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي العاملة في مهمة حفظ السلام في إقليم دارفور (اليوناميد) والتي حطت رحالها في الإقليم منذ العام 2007 دعت الحركات الدارفورية المسلحة للكف عن استخدام العنف ضد المدنيين الأبرياء, وطلبت منهم العمل على حل مظالمهم بالطرق السلمية وضمان وصول البعثة وموظفي العمل الإنساني إلى المحتاجين وتمكينها من حماية المدنيين!

هذه الدعوة جاءت على خلفية هجوم مسلحين على منطقتي (خور أبشي وكوبي) بولاية شمال دارفور، نهبوا فيها المواشي والممتلكات وأضرموا النار فى عشرات المنازل ما أسفر عن نزوح حوالي 2000 شخص من مواطني المنطقة ليحتموا بقاعدة اليوناميد.

ومن المؤكد أن هذا التطور النوعي في الهجمات المسلحة التى بدأت تشهدها مناطق عديدة من إقليم دارفور والمغايرة تماماً للهجمات السابقة يشي بأن حملة السلاح فى الإقليم باتوا يراهنون على سياسة الأرض المحروقة، حيث تكررت وعلى نحو لافت عمليات حرق المنازل وتدمير محطات المياه وتجريد المناطق من كل أساسيات الحياة تماماً، وإجبار سكانيها على النزوح، وهو تطور رأينا جانباً مأساوياً منه في مناطق الطويشة واللعيت جار النبي وحسكنيتة وما تزال آثاره طرية حتى الآن لم تنقض!
وهذا يعني أن تكتيك المتمردين قد بدأ يتحول باتجاه حرق الحياة بالكامل فى مدن وقرى الإقليم وأن ولاية شمال دارفور هي بداية. بالمقابل فإن من الطبيعي أن نتساءل عن إستراتيجية قوات حفظ السلام الأممية الإفريقية المشتركة والتي تكلف المجتمع الدولي مليارات الدولارات سنوياً وقضت حتى الآن أكثر من 7 أعوام فى هذه المهمة غير المجدية.

وقد بدا لنا واضحاً فى هذا الصدد أولاً: أن قوات اليوناميد ليست فقط عاجزة عن القيام بواجباتها الواردة فى أمر التفويض الصادر إليها من مجلس الأمن والذي يتمحور أساساً حول توفير الحماية للمدنيين، ولكنها عاجزة حتى عن توفير الحماية لمعسكرات النازحين! فإن قلنا إن اليوناميد بحجم إمكانياتها المتواضعة وتشكيلاتها القتالية الضعيفة لا تستطيع تجنيب المدنيين فى المناطق والقرى ويلات هجمات المسلحين، فإن من الصعب أن نطبق ذات الأمر على معسكرات النازحين والتي هي محددة وبالإمكان حمايتها.

وهذا بدوره يكشف لنا بجلاء أن المقصد الأساسي من معسكرات النازحين هو استدامة الأزمة وإطالة أمدها بدون حلول للاستفادة من ذلك فى الدعاية الدولية بشأن الأوضاع فى دارفور.
ثانياً، اليوناميد ثبت لها بدون أدنى شك أن الحركات المسلحة هي التي تروِّع المدنيين، وبدلاً من أن ترفع تقريراً عاجلاً بهذا المعنى لمجلس الأمن وتطالب بإدانة هذا المسلك وملاحقة الجناة بالعقاب؛ بدلاً عن كل ذلك فقد فضّلت فقط أن (توجه مناشدة) لحملة السلاح بعدم استهداف المدنيين.

لو أن كل المقصد من استجلاب هذه القوات كان هو (توجيه المناشدات) فإن هذه المهمة كان من الممكن أن تقوم بها الأمم المتحدة من مقرها هناك فى نيويورك دون الحاجة لتكبد المشاق والجهد المضني.

ثالثاً، ثبت وعلى نحو قاطع أيضاً أن اليوناميد كانت تتمركز فى قاعدتها بقرب المعسكرين المنكوبين إذ أن الفارين من المعسكرين وصلوا بسرعة إلى قاعدة تمركز اليوناميد ويُستشف من ذلك -عقلاً ومنطقاً- أن اليوناميد وقفت (متفرجة) على الهجوم القريب من قاعدتها بل ونمضي إلى أكثر من ذلك لنؤكد أنها ربما كان بإمكانها إنقاذ ما يمكن إنقاذه منذ بدء الهجوم وإلى انتهاءه ولكنها آثرت السلامة!

وعلى كل فإن قضية البعثة المشتركة هذه تظل واحدة من اكبر تعقيدات الأزمة فى دارفور، فالبعثة أضحت جزء من الأزمة، بينما كان الهدف أن تكون جزء من الحل ولو بنسبة 1% .

سودان سفاري
ع.ش

Exit mobile version