أخي الباشمهندس البيقاوي
لك التحية والإجلال،
انتظرتك في النيلين لأكتب لك هذا الاعتذار، وكنت أود أن يراه القراء الذين ساجلوا في الموضوع، وأن يكون اعتذاري علنياً كما كان تهجُّمي علنياً، ولما طال غيابك بحثت عن طريق لنشر الاعتذار، وها هو بحمد الله ينشر.
لقد والله أسرتني بجميل ردِّك الذي أراني قبح ما كتبتُ، وهأنذا أبذل عذري، وأسألك الإعذار، ومن بعد المسامحة، فاقرأ وجُدْ بهما يا أبا الفضل، سدد الله خطاك، ومنحك العون والثبات.
والله ما كتبت ما كتبته، إلا وأنا مستعجل غافل عن فظاظة اللغة، وما تحمله من علامات سوء الطوية التي أنا براء منها بإذن ربي. وما لي غير هذا من عذر، فإن جدت بالإعذار فالفضل فيك مأمول، وأنت أهله ومظنَّته، وإن أبيت فهو حقك نطأطئ رؤوسنا لتأخذه من هاماتنا.
ولقد نظرت إلى نفسي فرأيت كيف أني جعلت منها شرطيَّ مرور على بوابة الشعر، يحرر المخالفات، ولا يقبل الرشوة، وما أنا لذلك بأهل ولا قريب.
ولعلي أحاول أن أعيد قول ما أردت قوله على وجهه الصحيح. لم يكن لي خلاف في أسِّ الموضوع، وإنما أردت أن أقول إن معالجته نثراً أوفق من معالجته شعراً؛ إذ إنه من الموضوعات التي يُحتاج فيها إلى الحجاج للاعتراض على قرارات المحليات، ويَحتاج الحجاج إلى إعمال المنطق، والبرهنة، وبذل الحجج، ومعلوم أن هذه الأمور مما لا يستطيعه الشعر الذي فيه تجاوز المنطق, واختراق جدران الوعي, وانزياح المفردات عن معانيها المعجمية، وانفتاح مجمل بنيته على آفاق التأويل بقراءات مختلفة.
ولعلي أقول عن تجربة شخصية، يظل الحكم المستخلص منها وقفاً عليها وأنا ممن يكتبون الشعر نادراً، والنثر قليلاً أن كتابة النثر الجميل أعسر مطلباً، وأصعب إنشاءً، وأعزُّ منالاً من كتابة الشعر.
وبعد فأنا أعتذر لكتّاب التعليقات في النيلين وقرّائها، وأعدهم بأن أكتب بإذن الله وأنا واعٍ ومدركٌ خطر الكلمة، ومغبَّة حصائد الألسنة المنفلتة. ولله الحمد والمنة.
وأنا أكتب لك هنا؛ إذ إني وجدت صفحة الموضوع قد راحت، لكن حاجتي إلى بيان عذري، واستجداء المسامحة من أبي الفضل الباشمهندس، جعلاني اقتحم المكان اقتحاماً، فسدَّ حاجتي يا أبا المعروف، سدَّ الله حاجاتك. غفر الله لنا ولكم، وأصلح نيّاتنا وذرِّيّاتنا.
أبو البنات