الصادق الرزيقي : لقاء أم جرس هل بدأ من بيت بكري؟!

[JUSTIFY]بغض النظر عن نجاح أو إخفاق ملتقى أم جرس الثاني الذي تستضيفه الجارة تشاد هذه الأيام، فإنه بأي حال من الأحوال خطوة ومحاولة للخروج من حريق الحرب المجنونة في دارفور.

وفكرة أم جرس الثانية تشبه إلى حد بعيد محاولات سابقة ذهبت فيها قضية دارفور بقدميها إلى جوارنا القريب، بغية الحصول على حل ينهي هذه القضية التي تعقدت وتشابكت خيوطها وخطوطها ودروبها.

فقد حاول الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في عام 2004م جمع أهل دارفور بهذه الكيفية التي تحدث في أم جرس اليوم، واستطاع الإتيان بكل الحركات المتمردة وقادتها إلى العاصمة طرابلس، وجاء بوفد شعبي ورسمي من حكومة السودان وممثلي دارفور من زعامات أهلية ورسميين وناشطين، فاق عددهم الأربعمائة شخص، والتقت كل مكونات الأزمة.. وجلس القذافي بنفسه لأيام وليالٍ ما بين طرابلس وسرت .. لكن شيئاً لم يحدث.. لم يُبرم اتفاق ولم تهدأ نار الحرب الموقدة.

وحاول بعد ذلك القذافي بكل قدرات بلده المالية ونفوذه الإفريقي، وسخر القضية نفسها لتلميع وجهه دولياً في 2006م و2008م و2009م في ملتقيات ووفود تذهب وتجيء، لكن المبتغى ظل بعيداً والمرام نائياً والسلام مفقود مفقود.

وحاولت جهات عربية وإفريقية رتق الفتق الدارفوري، لكنه كان عصيَّاً على الحلول، سوى الحلول الرسمية التي تتمثل في اتفاقيات مع حركة متمردة برعاية إقليمية ودولية، ورغم ذلك لم تنتشل دارفور من رمالها المتحركة ونيران الحرب.

والغريب أن القذافي نفسه قال قولة مشهورة في ملتقى 2004م، عندما جمع أهل دارفور وقياداتها وقيادة الحركات في ليلة شاتئة في خيمته جنوبي مدينة سرت الليبية، وكان متلفحاً بالثوب التقليدي الليبي «الجرد» بني اللون وعلى رأسه طاقية من الصوف، وهو غائر في مقعد وثير بجانبه نار تدفئة تشتعل في حطب بين أثافي ثلاث .. قال: «قضية دارفور الآن لأطراف إقليمية ودولية عبارة عن لوحة إعلانات كل يريد وضع نفسه عليها ..». وذهب هذا القول مثلاً سياسياً في حفريات الأزمة في دارفور، ظلت الأيام تصدقه!!

لقاء أم جرس الأول قبل شهور قليلة كان لقاءً قبلياً لإحدى قبائل دارفور «الزغاوة» وهي طرف أصيل في الحل مثلما كان بعض أبنائها سبباً في حدوث الأزمة، وربما كان الملتقى الأول بحضور الرئيس إدريس دبي، استشعاراً بضرورة المساهمة الفاعلة في إطفاء هذه النار والحرائق وكبح جماحها.. لكن الملتقى كان منقوصاً بعدم مشاركة بقية أهل دارفور فيه وفي ما نتج وتمخض عنه.

أما أم جرس الثانية التي بدأت أمس، فقد دُعي للمشاركة فيها عدد كبير من قيادات القبائل ورموز دارفور وأصحاب الحيثيات السياسية من أبنائها، وهو حشد ضخم يشابه تلك الحشود التي ملأت الأجواء والدروب والطرق من وإلى طرابلس القذافي وسرته..

لكن السؤال.. هل تستطيع أم جرس الثانية التي تقوم على الهيكل العظمي لأم جرس الأولى، تحقيق نتائج إيجابية؟! وتفلح في ما عجز عنه القذافي وقيادات إقليمية أخرى؟ وبالنظر إلى أهمية تشاد ودورها وأثرها الفاعل في الداخل الدارفوري لعوامل مختلفة فإن هناك تساؤلات كثيرة وكبيرة حول مدى قدرة الرئيس التشادي على التأثير في الحركات المتمردة خاصة حركتي العدل والمساواة وحركة مني أركو مناوي، ومعلومة هي الروابط التي تجمع الرئيس دبي بقيادتي الحركتين والكوادر الفاعلة فيها.

لكن الملمح المهم هو أن قيادات دارفور الأهلية الرسمية التي التأمت قبل التوجه إلى أم جرس في منزل النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول بكري حسن صالح قبل يومين، عملت تمرين إحماء خفيف حول قضية دارفور، وكان الحديث الحميم والشامل من كل الأطراف وختمه النائب الأول، بمثابة ضوء ساطع يمكن أن تتلمس به أم جرس الثانية الطريق المفضي إلى الحلول.

وفي هذا اللقاء شعر كل من حضر ببيت بكري بالصراحة التي تحدث بها النائب الأول وتجاوب الجميع مع كلمته وإحساسهم بجدية الدولة في معالجة هذه القضية، خاصة أن الرجل تحدث إليهم بوضوح ووضع النقاط فوق الحروف، واتضح أنه ملم بتفاصيل كثيرة ويعرف القيادات الدارفورية خاصة النظار والسلاطين والملوك والشراتي والعمد معرفةً دقيقةً.. وله علاقات ممتدة مع الجميع.

smc
ت.إ[/JUSTIFY]

Exit mobile version