نعرف جيداً تاريخ الأردن.. وصمودها في وجه أعاصير السياسة وتقلباتها.. وفي سبيل استقرارها خاض ملكها الراحل الحسين بن
طلال بن عبدلله.. أيضاً معارك عسكرية وسياسية ولا ينسى له العرب والمسلمون موقفه المشرف في حروب حزيران.. وأكتوبر.. وسموه على الخلافات العربية في سبيل أهداف الأمة السامية..!!
ولكن الحب.. يجب أن يكون متبادلاً.. والاحترام سامياً وشامخاً.. خاصة أن العلاقات السودانية الأردنية ضاربة الجذور في أعماق التاريخ.. منذ أن كان ملوكنا الفراعنة النوبيين يمتد ملكهم من شمال السودان.. ومصر.. وشبه جزيرة سيناء.. وكل بلاد الشام.. ولنا تجارة زاهية مع الحضارات اليونانية والرومانية.. والكلام يطول ولضيق المساحة نكتفي..
أصبحت الأردن (المملكة الهاشمية) محط أنظار الكثير من السودانيين طلباً للعلاج في السنوات (الإنقاذية) الأخيرة.. بعد أن كانت مصر هي محطة العلاج الأولى لنا.. ولكثرة الطالبين للعلاج هناك.. خاصة في عهد الوزير (حميدة).. خط (الوالي) الأحمر.. افتتحت المكاتب الطبية التي (تقول) إنها تساعد على السفر إلى تلك البلاد.. والحجز في مستشفياتها الخاصة..!!
ولكن لكثرة الطلب.. وطيبة وثقة أهلنا الزائدة.. والتعامل بحسن النية.. يبدو أن العامل (التجاري) قد تغلب على العامل الإنساني.. وعلى وشائج التاريخ.. والعلاقات..!!
وإليكم (بعض) القصة.. علماً بأننا نحتفظ بالمستندات.. وبعضها (صوت.. وصورة)..؟!!
السيد (…) شاب ملئ بالقوة.. وفن القيادة والانضباط العملي والسلوكي.. والتعليم العالي.. اصطحب ابنة شقيقته المريضة بأعراض الفشل الكلوي.. (إلى الأردن) حيث ذلك المستشفى (الخاص).. (والمتخصص).. (والخصوصي).. كان معهم شقيق المريضة الذي تبرع بكليته لها.. عساها تتخطى محنتها لتكمل مع عريسها أيام عمرها المديد بإذن لله..!!
تمت (الزراعة).. ولكن أصيبت الفتاة في ساقها.. لم ينتبه لها المتخصص.. أصيبت بتورم.. وتلفت الكلية المتبرع بها.. من الشقيق.. وفقد كليته.. تقدم (الخال) بشكوى لإدارة المستشفى.. وعدوه (كذباً) في النظر فيها.. أحد الأطباء قابل المريضة في الممر أثناء تمشيتها بعد تجاوز محنتها قائلاً: إنتي قلبك أسود ولن تشفي أبداً وكل السودانيين مثلك حاقدين..!!
الشاب.. (الخال).. المنضبط سلوكياً.. وأخلاقياً.. بحكم تربيته السودانية.. وثقافته القانونية.. تقدم بشكوى للسفارة هناك.. ووعدوه
(كذباً) أيضاً بالتدخل.. ولكن يبدو أن السفير.. ونائبه.. ومدير السفارة الطبي.. يعيشون في عالمهم الخاص.. والخصوصي أيضاً.. بعيداً عن أنين وجراحات مواطنيهم من طالبي العلاج وغيرهم..!!
العملية لزراعة الكلية (وفشلها).. كلفت أكثر من ثلاثين ألف دولار..؟!!
تم دفعها كاملة.. غير منقوصة..؟!!
عندما تمسك الشاب.. (الخال).. بحقه القانوني وإثباته أن هناك ( ۱٤ ) خطأ طبي تم ارتكابه أثناء إجراء العملية.. وأن (الرائحة) فاحت بين تلال الأردن.. وجبال الكرك.. والشراه.. والغور العميق.. والبحر الميت.. كموات الضمير.. ما بين المستشفى الخاصة والمتخصص.. (والخصوصي).. وما بين (موات) سفارتنا هناك..؟!!
ساومه المدير الطبي.. وأخبره أن متبقي العملية الفاشلة ( ۲۳ ) ألف دولار أخرى.. ولكن.. يجب إذا أردت (الإعفاء).. بعد الفشل.. أن تكتب إقراراً أنت والمريضة.. والشقيق المتبرع.. (كان الإقرار جاهزاً للتوقيع).. بأن العملية نجحت.. وسيتم تسليمكم الجوازات..؟!!!
كان المدير الطبي.. الذي يدعي الذكاء.. لا يدري أن (الخال) القانوني.. يسجل له بالصوت والصورة من جهازه الصغير فحوى الحديث.. وبدهاء سحب (صورة) من الإقرار المعد سلفاً.. واحتفظ به.. بعدها أخبر الطبيب (الذكي) بما فعله.. وأخبره بأنه سيصعد الأمر إلى أعلى المستويات..!!
السفارة السودانية.. يا سيد (كرتي).. تعيش في عالمها الخاص (جداً).. والسيد المدير الطبي له ( ۷) سنوات هناك.. ويبدو أنه طاب له المقام.. وأن رغد العيش والبحبوحتة يتيحان له التمتع (بالسندة).. وطول المدة..؟!!
أول أمس.. بنفس المستشفى (الخاص).. والمتخصص.. والخصوصي.. (صوت وصورة).. توفيت لرحمة مولاها الحاجة (….).. بعد الحقنة الطبية الثالثة.. علماً بأن ثمن الحقنة ( ۹۰۰ ) دينار، وكل ( ۱۰۰ ) دينار تساوي ( ۷٥ ) دولار حسب إفادات القادمين من هناك..!!
أما الطفل الذي كان يعاني ورماً في الدماغ.. فخرج من العملية وجزء من الورم ما يزال عالقاً بالدماغ..؟!!
نحن لسنا (فئران تجارب).. وبأموالنا.. ولسنا بهذه السذاجة أو العبط.. نحن أمة كرامتها.. قبل أكلها وشربها.. ولو أدى المنع إلى موتها.. نحترم الأمم والشعوب.. ولا نقبل الاستغفال تحت مسمى الاستثمار.. أو المتاجرة بأوجاعنا.. والإمبراطورية البريطانية القديمة.. تعرفنا حق المعرفة.. ولا أشك أن الكل يعرف ذلك..؟!!
أما ربع القرن الأخير.. والحديث.. وأحداثه.. فنحاول أن نتناساه حتى لا يعيق مسيرتنا.. رغم أنه داخل عقولنا.. ولن يصيبنا الوهن منه أبداً.. إن شاء لله..!!
لماذا كل المستشفيات الخاصة هناك.. تستثمر في سذاجتنا.. وطيبتنا.. وحسن نوايانا.. ولماذا فقط.. الخالدي.. وابن الهيثم.. والتخصصي..؟!
هل بعضنا شركاء في ذلك..؟!
ولماذا أحدهم وفي السفارة يمكث هناك سبع سنوات..؟!
نريد أن نعرف قبل أن ننام.. أو نمرض.. أو نموت..؟!!
صحيفة الجريدة
ع.ش