نجى لنوح من مياهو ** وإبراهيم من لظاهـو
ونجى أيوب من بلاهو ** وبه أيوب نال مناهو
وجده إسماعيل فداهو ** وهو للخـير هداهو
القصيدة كما هي على شريط الكاست الذي سمعتها منه يؤديها أولاد البرعي الأوائل. يقول قائلهم «النبي نجى نوح من مياهو»، فيردد البقية «النبي نجى نوح من مياهو» ثم يقول وإبراهيم من لظاهو فيردد البقية «النبي نجى إبراهيم من لظاهو» وهلم جرا. كل هذه الأفعال فعلها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوجد في دنيا البشر، حسب زعم البرعي، وسنرى قوله في مقابلة قول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل. لنقف أولاً مع نوح عليه الصلاة والسلام، يقول البرعي إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي نجاه من الغرق، كما في أول الأبيات «نجى لنوح من مياهو» بينما يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن نوح: «وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» الآية «41» سورة هود هذا قول نوح متوكلاً على ربه مستعيناً به، وليس مستعيناً ومتوكلاً على غيره، ثم يصف القرآن حال السفينة: «وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ…» «42» هود. ثم يأمر الله سبحانه مخلوقيْه، الأرضَ أن تبلع ماءها والسماءَ أن تكف عن الأمطار، وذلك بقوله لهما: «وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ اقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» «44» هود.
ثم يوحي الله سبحانه وتعالى إلى عبده ورسوله نوح أن يهبط ومن معه من السفينة، حيث استقرت الأمور وذلك بقوله تعالى: «قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ» هود الآية «48» هذا هو القرآن الكريم يعلمنا أن كل ذلك هو فعل الله سبحانه وتعالى، فأي فعل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ وهو لم يحضر زمان نوح وبينه سحيقٌ من الأزمان؟ والآن إلى رسول الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حيث يقول البرعي إن النبي صلى الله عليه وسلم نجاه من النار وذلك بقوله :«نج لنوح من مياهو وإبراهيم من لظاهو». بينما يقول الله سبحانه: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ٭ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيم ٭ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ( الأنبياء «68 ـ70» لقد أمر الله سبحانه وتعالى مخلوقَه النارَ أن تكون برداً وسلاماً عليه، وذلك بإبطاله صفة الإحراق فيها، فكانت عليه برداً وسلاماً، ذلك فعل الله بنص القرآن فأي شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم لإنقاذ إبراهيم عليه الصلاة والسلام؟. أما رسول الله أيوب عليه الصلاة والسلام، فيقول عنه البرعي إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي نجاه من البلاء الذي حل به، بقوله «نجى أيوب من بلاه». وهناك نص آخر يقول «به أيوب نال مناه» ويقول القرآن الكريم: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ٭ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ). «83 ـ 84» الأنبياء. وكما نرى في هذه الآيات فإن أيوب عليه الصلاة والسلام نادى ربه مستغيثاً به على ما أصابه فاستجاب له فشكف ما به من ضر وأتم عليه نعمته، فأي فعل لنبينا عليه الصلاة والسلام في كشف ضر أيوب؟. ثم نأتي إلى رسول الله إسماعيل عليه الصلاة والسلام، حيث يقول البرعي إن نبينا صلى الله عليه وسلم فداه من الذبح بقوله «جده إسماعيل فداه، وهو للخير هداه» هذا قول البرعي ويقول الله سبحانه وتعالى عن ذلك: (وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) الآيات 104- 105-106- 107 من سورة الصافات. يقول البرعي إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كل ذلك، وكل ذلك هو فعل الله سبحانه وتعالى كما بينه القرآن بآياته المحكمات. والنبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أولئك الأنبياء سحيق من الأزمان وبعد الدهور، فكيف فعل ذلك؟ اللهم إلا إذا كان في عقيدة البرعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الأزل يفعل أفعال الله قبل أن يُخلف بشراً في دنيا البشر، وهذا لا يقول به ذو عقيدة سوية. والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم ما حدث لأولئك الأنبياء الذين سبقوه إلا بإعلام الله له عن طريق الوحي. ودليل ذلك قول ربه تعالى له في سورة هود بعد أن قص عليه قصة نوح: (تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) 49 هود. أعلم أن هناك ممن يدعون التصوف من ينزل النبي صلى الله عليه وسلم المنزلة التي لم ينزلها له ربه، مثل قولهم إنه أول الخليقة، وأنه يعلم الغيب الذي لايعلمه إلا الله، فقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلن للناس أنه لا يعلم الغيب، وذلك في قوله تعالى: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: «من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غدٍ فقد أعظم على الله الفرية» أخرجه مسلم، والله يقول: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّه). ولي عودة إلى قصيدة أخرى للشيخ البرعي إن شاء الله تعالى.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش