وبالطبع كانت المحادثات تركز على ضرورة أن تقوم أمريكا بترشيد صرفها وأن تتخذ من الإجراءات ما يؤكد لدولة الصين أن هؤلاء (الديانة) سوف يدفعون الفلوس اللي عليهم فوراً.. وكان من حق المندوب الصيني أن يسخر من المقترحات الأمريكية التي أعتمد بعضها على حلول غير منطقية من بينها أن أمريكا تعمل الآن على إرسال سفن فضائية للحصول على معادن نفيسة من القمر ومن المريخ تحت غطاء الكشوفات عن مصادر الحياة والمياه على الكواكب الأخرى غير المأهولة حتى الآن بالبشر.
وقد ذكرني ذلك بقصة الرجل (العكليتة) و (اللايوق) الذي كان يطلب دينار من شخص آخر وقد عذبه كثيراً بالسؤال المتكرر والإلحاح المتواتر ليلاً ونهاراً سراً وعلانية .. وفي ذات يوم جاء راكباً حماره وكما هي العادة لم يترك دار المدين ودخل دون استئذان ليجد المدين وهو قد فرغ من أداء صلاة العصر وجلس على (المصلاية) وأمامه الإبريق وبين يديه خمس (نوايات) من البلح كان قدر فرغ من أكلها واحتفظ بالبذور.
وبالطبع قام الدائن بسؤال المدين عن الفلوس (اللي عليهو) والرجل أخذ الخمس نوايات وحفر حفرة صغيرة أمامه ووضعها فيها ثم صب عليها ماء من الإبريق وخاطب الدائن قائلاً: (كما ترى فالحمد لله قد وفقنا الله وزرعنا البلح .. ووفقنا الله وسقينا الزرع .. وإن شاء الله كلها خمس سنوات وسنقوم بعدها بحصاد التمر والذهاب به إلى السوق وبيعه وسندفع لك كل ديونك بإذن الله تعالي بعد الحصاد مباشرة .. والدائن لم يقل شيئاً وإنما خرجت منه ضحكة عالية وبطريقة ساخرة (مثل الصيني الذي ضحك على الأمريكاني).. والدائن رد عليه بقوله (طبعاً ليك حق تضحك ما دام ضمنت قروشك).
ويقودنا خبر الديون الأمريكية إلى القول بأن العالم ونكرر (العالم كله) يترنح الآن من أزمة الديون والعجز الناتج عن الأداء الاقتصادي الدولي .. فالمعروف أن الولايات المتحدة تعاني عجزاً يزيد عن ثلاثمائة في المائة من دخلها القومي وقد جرت معها الكثير من دول العالم التابعة لها سياسياً واقتصادياً والعجز الإيطالي يزد عن مائة وخمسين بالمائة.
وفرنسا يبلغ عجزها تسعون بالمائة، واليونان مائتان في المائة. وألمانيا أربعون في المائة وهي الدولة الصناعية الكبرى.
وفي المجمل فإن العالم كله يتجه نحو الانهيار .. والدولة الوحيدة التي لديها ميزان تجاري إيجابي ولديها موارد صادر من بين كل بلاد العالم هي الصين .. ولكن دولة الصين هي نفسها قد تتعرض إلى تعقيدات الانكماش العالمي الذي سوف يلقي بظلال سالبة على اقتصادها ولن تجد من تبيع له منتجاتها بعد أن يفلس العالم .. ولهذا فقد يكون أمامها أن تصبر على الدول (المدينة) وأن تقتنع بنظرية الرجل الذي زرع التمر أمام المصلاية وسقاه من الإبريق ثم طلب من الدائن أن يصبر خمس سنوات أخرى ينظر بعدها في أمر الدفع للدائن بعد الموافقة على إعادة الجولة.
ومن المؤكد أن الأمريكيين سوف يجبرون الصين على الصبر لمدة خمسين عاماً أخرى لسداد الديون لدولة الصين والتي سيكون عليها دور أخلاقي في إيجاد الحلول لتحصيل ديونها.. وهنا نذكر قصة أحد رؤساء دولة إفريقية كانت بلده متورطة في دين وصل إلى عشرة مليارات دولار وكان قد استضافه مقدم برنامج (س إن إن) المشهور (لاري كنج) والذي كان يوبخه على فشل دولته في السداد والرئيس لا يهتم بل يضحك ويضحك وسأله لاري كنج لماذا تضحك وهو (ماكل القروش) فقال الرئيس إن هذه الديون لو كانت مائة ألف دولار ولهذا فالمشكلة لا تخصه ولا تخص بلده وإنما تخص الدائنين الذين عليهم إيجاد الحلول للحصول على ديونهم أو عليهم الانتظار إلى ما بعد حصاد البلح بعد خمس سنوات، إن شاء الله.
صحيفة الصيحة
ع.ش