وبناء على هذا المفهوم تصدرت برامج وخطط التنمية البشرية فى السودان أولويات خطط الدولة واستراتيجياتها و ذلك بهدف ترقية مهارات العاملين فى مجالات العمل سعياً الى استثمار رأس المال البشرى. وتسعى الدولة الى خلق القوانين المطلوبة والمؤاومة بين مخرجات العملية التعليمية وإحتياجات سوق العمل الفعلية ومواجهة الارتفاع المضطرد فى معدلات البطالة بفعل التزايد المستمر فى عدد السكان مع ملاحظة الأعتماد والأهتمام بالتأهيل الأكاديمى بدلاً عن التدريب المهنى والفنى والحرفى فى غياب وضمور ثقافة التدريب ، مع قصور وجود مراكز التدريب القومية الكافية لتلبية حاجة مؤسسات الدولة لبرامج تدريبية مرتبطة بالحاجة الفعلية للبلاد ، خاصة مع ضعف التمويل المخصص لبرامج بناء القدرات اللازمة لمواجهة متطلبات السوق من السلع والخدمات فى ظل المنافسة الحادة الحالية فى أسواق العمل والخدمات بعد انفتاح اسواق العمل والتجارة على مصراعيها فى ظل العولمة.
إن الحاجة لتحديد وتقييم ورسم سياسات التدريب على المستوى القومى فى المؤسسات الحكومية تقتضى الوقوف على واقع التدريب فى البلاد ، وتحديد نقاط القوة والضعف وتوفير قواعد البيانات والاحصاءات الدقيقة عن عدد مراكز التدريب القائمة حالياً وتوزيعها وكفاءتها وإعداد المتدربين وتخصصات برامج التدريب فى هذه المراكز وارتباطها بحاجة سوق العمل الداخلى والخارجى ومواكبتها للتحولات التى تشهدها مجالات الانتاج والتقانات المرتبطة بها فى الداخل والخارج فى ظل ثورة المعلومات ولمعملة العمليات الأقتصادية والصناعيه والخدمية والتعليمية التى تجعل من تطور مناهج ومؤسسات التدريب ضرورة حتمية تمكن السودان من مواكبة التطور الذى تشهده الدول الأخرى فى هذا المجال.
لقد عرف السودان سياسات وخطط التدريب فى العام 1951م عندما تنبه المسئولون آنذاك الى أهمية التدريب فوضعت له برامج قومية للتدريب تولت مصلحة العمل الاشراف على تنفيذها وتم تعيين متخصصين اجانب لتدريب مدربين وطنيين من خلال ثلاث برامج تدريبية غطت مجالات الإعداد للتدريب ، وتقسيم عمليات الانتاج وتحليل المشكلات ومعالجتها بالاضافة الى تحليل المهام الوظيفية ثم تدريب المدربين بالخبراء الأجانب فى كافة مستويات القطاع العام
واستمر تطبيق هذا التدريب حتى العام 1956م ثم توقف بخروج المدربين الاجانب، ويعتبر هذا البرنامج أول برنامج تدريب منظم وبأسس علمية على المستوى العام .
وفى العام 1960م تم انشاء معهد الادارة العامة للتدريب الإدارى فى الخدمة العامة ثم تحول هذا المعهد الى أكاديمية السودان للعلوم الادارية ومركز تطوير الادارة للتدريب الإدارى فى القطاع الخاص ومؤسسات الدولة ذات الطابع الربحى.
لقد أدى الخلل بالوعى التدريبى الى إختلال فى تدريب القوى العاملة بالبلاد ، حيث ظل معهد الادارة حتى العام 1979م يتولى تدريب القطاعات الصغرى وصغار الاداريين وظلت القيادات العليا دون تدريب مبرمج.
وبانشاء اكاديمية السودان للعلوم الادارية طرأ العكس فأهتمت الاكاديمية بتدريب القيادات العليا والوسيطة وظلت القيادات الدنيا ومداخل الخدمة دون تدريب .
وشهد العام 1976م صدور لائحة التدريب للعام 1976م المعدلة عام 1982م وذلك بعرض معالجة الخلل فى مستويات التدريب المختلفة من خلال المنشورات الصادرة عن الادارة القومية للتدريب ثم المؤتمر القومى للتدريب وتخطيط القوى العاملة فى العام 1984م. أضافه الى عدد من مؤتمرات التدريب القطاعية والتعديلات التى طرأت على مهام الادارة القومية للتدريب والتى تحولت الى المجلس القومى للتدريب ، وصدور قانون التدريب القومى فى العام 2003م واللوائح القابضه له والتى مكنت المجلس من الاشراف على التدريب فى البلاد على المستوى الاتحادى والولائى وتنظيم عمل مراكز التدريب القومية والخاصة.
ورغم كل هذه الجهود التى أفضت الى إنشاء وزارة خاصة للتنمية البشرية وإلحاقها بوزارة العمل فيما بعد إلا أن العديد من العوائق ظلت تحول دون التنفيذ الفعال لخطط وبرامج التدريب على الوجه الأكمل.
وتتصدر هذه العوائق أولاً وجود ضعف فى الهياكل المنظمة للمهام الاساسية للتدريب فى معظم وحدات الدولة وانعكس ذلك سلباً على تحديد الاحتياجات التدريبية الفعلية المرتبطة بحاجة الوحدة وثانياً عدم ارتباط التدريب بتقييم اداء العاملين فى الترقى الوظيفى مما اثر سلباً على إقبال العاملين على التدريب خاصة الداخلى . ثالثاً ضعف الموارد المخصصة للتدريب فى الداخل والخارج . ورابعاً عدم وجود قواعد بيانات دقيقة حول منظومة التدريب فى البلاد والعملية التعليمية للاحتياجات الفعلية لسوق العمل . وخامساً قصور كفاءة القائمين على أمر التدريب وتخطيطه فى أغلب الوحدات الحكومية وعدم استقرارها مع عدم وضوح المعالم الرئيسية للقوى العاملة وتخطيطها واعدادها وتدريبها مع إنعدام الأهتمام والمؤشرات اللازمة لقياس عائد التدريب.
وتدعو الحاجة لإعلاء عائد التدريب والتنمية اليشرية فى البلاد إعتماد عدد من السياسات الخاصة بتطوير برامج التدريب خاصة زيا دة وتوفير الموارد المالية المخصصة للتدريب على المستوى القومى واستقطاب عون المؤسسات الاقليمية والدولية ذات الصلة والارتقاء بقدرات وحدات التدريب البشرية والمادية ووضع معايير قياسية لعائد التدريب والاستثمار البشرى وربط المناهج التدريبية بحاجة السوق الفعلية والشروط والمعايير الدولية والعمل على انشاء مؤسسات قومية للتدريب وبناء القدرات وبمواصفات عالمية لتقليل نفقة التدريب الخارجى وتوسيع فرص التدريب الداخلى وتلبية أحتياجات الدولة دون إغفال تبادل الخبرات مع الدول الأخرى فى المجالات المختلفة .
محمد أزرق سعيد– سونا