أقول ذلك بين يدي المؤتمر الصحفي الذي أقامته منظمة تسمى بشبكة المنظمات النوبية للدفاع عن د. سلاف الدين صالح الذي نشرت (الصيحة) بعضَ الوثائق حول أدائه عندما كان يُدير مفوضية نزع السلاح.
العجيب في الأمر أنَّ المنظمة المذكورة نسبت نشر الوثائق في (الصيحة) لخلاف زعمت أنه حاصل بيني وبين د. سلاف وأرجعت ذلك إلى مقال نشرتُه قبل سنوات انتقدتُ فيه الرجل لتعامله مع بعض قادة التمرد في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وهذا أمرٌ غريب بحق فوالله الذي لا إله إلا هو لم أعلم بالمادة التي أُعدَّت حول المفوضيَّة إلا بعد أن جُهِّزت تمامًا للنشر ولم أطَّلع عليها بالكامل حتى هذه اللحظة، وللأسف فإن البعضَ يظنُّ أنَّه ما من شاردة ولا واردة أو كلمة تُنشر في (الصيحة) إلا بتوجيه مني أو بعد اطِّلاعي عليها!!
ليت مناصري سلاف الدين يعلمون أنَّ علاقتي بالرجل لا تشوبها شائبة وأنني حتى هذه اللحظة لا أظن في الرجل إلا خيرًا ولا أتهمه بأنه اعتدى على مال عام، بالرغم من أن اللجنة التي شُكِّلت للنظر في أمر المخالفات قضت بأن هناك فسادًا ماليًا وإداريًا ارتُكب من قبل المفوض العام د. سلاف الدين لكني أقول بأن ذلك ينبغي أن يفصل فيه القضاء ولا شيء غيره.
أرجع لظاهرة الاحتشاد الاثني والقبلي خلف كل من يطوله تحقيق حول فساد أو أخطاء أو قصور إداري لأحذِّر من تنامي هذه الظاهرة التي أوشكت أن تعمَّ السُّودان جميعَه فنحن اليوم نشهد ردّة خطيرة توشك أن تمزق هذا الوطن وتفرِّقه أيدي سبأ.
قرأنا خبرًا عن اقتحام عصابة مسلحة محكمة نيالا وإخراجها متهمًا كان يواجه عقوبة الإعدام من قاعة المحكمة أثناء الجلسة وهروبها به، وقرأنا عن اقتحام بنوك في وضح النهار وظننَّا يومها أن ذلك سلوك ناشئ عن أزمة دارفور، لكن أن تنشأ المنظمات في قلب الخرطوم للدفاع عن متهم وتقيم المؤتمرات الصحفية وتهدِّد بالاعتصام أمام القصر الجمهوري حتى تتدخل الدولة وترد الاعتبار لابنها وتحل أزماته المالية التي يعاني منها فإنه يكشف درجة التراجع التي حدثت في توجُّه الشعب السُّوداني نحو الانصهار القومي والتوحُّد لبناء أمة سودانيَّة تجتمع حول ولاءات كبرى بعيدًا عن الانكفاء نحو الانتماءات الصغيرة التي تعيدنا إلى عصور سحيقة ظننَّا أنَّنا تجاوزناها ولُذنا إلى مسار جديد هو الذي سبقتنا إليه الأمم التي مضت نحو المعالي وارتقت سلَّم النهضة والتطور.
عندما أتذكَّر كيف تجاوز الإمام المهدي انتماءه الضيق وانتقل إلى غرب السودان ليتخذه (يثرب) التي هاجر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم وانطلق منها ليشعّ منها نورُ دعوته الربانيَّة وكيف اختار المهدي تأسيًا بالرسول الخاتم قبائل غرب السودان بعيدًا عن عصبته بل كيف اختار خليفته من دارفور متجاوزًا أهلَه وعشيرتَه والأهم من ذلك كيف انحازت إليه قبائل غرب السودان بالإسلام بعيدًا عن انتماءاتهم القبلية .. عندما أتذكر أن ذلك حدث 1881 أي قبل نحو 130 عامًا أشعر بفداحة الردة التي تردَّينا إليها فقد انحاز خريج القانون عبد الواحد محمد نور ود. جبريل إبراهيم والطبيب د. خليل إبراهيم إلى قبائلهم بينما انحاز الأميون أو شبه الأميين من أهل دارفور قبل أكثر من130 عامًا إلى دينهم متجاوزين عصبياتهم الضيقة .
بالمقابل هل تستطيع الأحزاب السياسية الكبرى اليوم أن تتوافق كما فعل المهدي على رئيس جمهورية من دارفور يحكم السودان في الانتخابات القادمة؟!
أرجع لأقول إننا نشهد عودة جديدة تتعدَّد مظاهرُها وتتزايد وتأخذ أشكالاً شتى لعصور الجاهلية الأولى التي قال شاعرها:
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
قالت المنظمة في مؤتمرها الصحفي لمناصرة ابنها سلاف الدين إنها تدعوه بعد رد اعتباره إلى الاستقالة والتوجُّه إلى حلفا لأن هؤلاء لا يستحقون أي خدمة!!
لستُ أدري والله هل يريد جماعة المنظمة أن يُنشئوا دولة حلفا ليعيِّنوه رئيسًا عليها أم في ماذا تُراهم يفكرون؟!
أخشى أن تتزايد هذه الروح بين قبائل السودان كافة وينفرط عقد الدولة السُّودانيَّة ويلوذ كل إنسان بأهله وعشيرته وتنحل المؤسسات العدليَّة والسلطة القضائيَّة التي ستُمنع من ممارسة دورها في تجريم المجرم وتبرئة البريء خاصةً بعد أن تقتني شبكة المنظمات النوبية السلاح لتقتحم المحكمة وتُخرج ابنها سلاف وتعتقل القاضي بل وتسجنه!!
بالله عليكم إلى أين نحن مساقون؟!
صحيفة الصيحة
الطيب مصطفى
ع.ش