في اتصال هاتفي أجريتُه أمس مع راشد النعيمي سفير دولة قطر للسُّودان لم يؤكِّد لي ولم ينفِ خبر الزميلة (السوداني) عدد الأمس حول زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للسودان مطلع أبريل القادم أي في غضون أسبوعين تزيد قليلاً.. المهم عندي عدم النفي، وعدم النفي في السياق الدبلوماسي الحذِر يعني أن هناك درجة كبيرة من الصحَّة في الخبر.. الشيخ تميم سبق له زيارة السودان عندما كان ولياً للعهد، لكن هذه الزيارة المرتقبة ستكون أول زيارة له وهو أمير لدولة قطر تلك الدولة التي تمتلك رؤية مغايرة وغير تقليديَّة للرؤية الخليجيَّة المتحفظة أحيانًا لدرجة التبلُّد والمنفتحة أحيانًا أخرى لدرجة التفريط.. الشيخ تميم زار السودان في ديسمبر 2011 ووضع لبنات عدة مشروعات قطريَّة استثماريَّة.. بثقة كبيرة تحدوها مسؤوليَّة تجاه فرص الاستثمار العربي تحرَّكت رساميل قطريَّة واقتحمت مجال الاستثمار الزراعي والحيواني في السُّودان.. (حصاد) و(ودام الغذائية) شركتان قطريتان بدأتا عملاً ضخماً في السُّودان يُعتبر نموذجاً لمشروعات الأمن الغذائي العربي.. من بين المشروعات القطريَّة العديدة لفت نظري مشروع لصناعة الدواجن بولاية الخرطوم لسد الفجوة وتغطية احتياجات قطر والدول العربية من منتجات صناعة الدواجن.. مساحة المشروع تقدَّر بنحو 2000 فدان، وبطاقة قدرها 30 ألف طن من لحوم الدواجن.
(2)
قبل أقل من عام وتحديدًا في 27 يونيو الماضي أنهى أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بكلمات مؤثرة ومعبِّرة فترة حكمه التي امتدَّت من (1995) حتى (2013).. (18) عاماً أنجز فيها الكثير لبلاده الوادعة.. (18) عاماً مدة قليلة جداً بحساب فترات حكم الدكتاتوريات العسكرية دعك من مقارنتها بفترة حكم الملوك.. فقط (61) عامًا هي عمر الشيخ حمد، فالرجل شاب بمقاييس من يتشبثون بالسلطة ويفرضون أنفسهم على شعوبهم التي لا تطيقهم البتَّة.. في كلمته الوداعيَّة المؤثرة قال الشيخ حمد: (والله يعلم أنني ما أردتُ السلطة غاية في ذاتها ولا سعيتُ إليها من دوافع شخصيَّة، بل هي مصلحة الوطن أملت علينا أن نعبُر به إلى مرحلة جديدة).. معروف أنَّ الشيخ حمد حوّل قطر من دولة خليجيَّة نمطيَّة إلى دولة حديثة تؤدي أدواراً فاعلة ومؤثرة على الصعيدين الإقليمي والدولي.. لقد جاء الرجل برؤية جديدة تؤسس لنهج جديد في معالجة القضايا الداخلية، تتجلى في تبني خيار الانفتاح السياسي، والمضي في تحقيق الإنجازات الاقتصادية.. لذلك لا غرو إن ساهمت هذه الرؤية في جعل دولة قطر محاورًا ومفاوضًا أساسيًا في أزمات دوليَّة عدة، والتدخل في صياغة مبادرات تتعلق بالقضيَّة الفلسطينيَّة والقضيَّة العراقيَّة والوضع في لبنان وقضيَّة دارفور وأخيراً القضيَّة السوريَّة وثورات الربيع العربي عموماً، وكان لقطر أن سجَّلت حضوراً رسمياً بارزاً في الساحتين الدولية والإقليمية.. كم كان بديعاً أن يعلن الأمير السابق باستمرار اعتزازه بانتمائه الإسلامي والعربي وهذا ما وسم كل سياساته داخليًا وخارجيًا، وقد ختم كلمتَه الوداعيَّة لشعبه بقوله: (مع ثقتي بإدراككم لانتمائكم وهُويتكم العربيَّة المسلمة فإنني أوصيكم بالمحافظة على قِيمنا الثقافيَّة والحضاريَّة النابعة من ديننا وعروبتنا وانتماءاتنا الإنسانيَّة، فنحن نؤمن بأن الوطن العربي جسد واحد يصلح الواحد من أقطاره بما يصلح به الجميع).
صحيفة الصيحة
د. ياسر محجوب الحسين
ع.ش