السودان على خطى التجربة اليابانية …. تطبيق منهج ” الكايزن”

النجاحات الكبيرة التي حققتها اليابان في عملية البناء وإعادة التعمير بعد الحرب العالمية الثانية ، وانجازاتها في عالم الصناعة والتكنولوجيا الحديثة تنسب إلى مبادئ منهج ” الكايزن” ، و هي كلمة تعني في اللغة اليابانية” التحسين المستمر” من أجل الوصول إلى التغيير الأفضل. ويؤكد خبراء التنمية والاقتصاد في العالم أن تطبيق هذه النظرية عبر مبادئ ما يعرف ب (5 S) والذي يشمل خمس قواعد هي التصنيف ، الترتيب ، النظافة، وضع المعايير والالتزام الشخصي إلى جانب الحد من( الفاقد) في الزمن والموارد هو الأساس الصحيح لأي نشاط يتعلق بتحسين الجودة و زيادة الكفاءة.

والسودان بثرواته الضخمة وموارده المتعددة بدأ ينتهج اساليباً علمية بالإستفادة من تجارب وخبرات الدول الأخرى وخاصة المتقدمة تمكنه من توظيف هذه الامكانيات الكبرى لرفاهية شعبه وشعوب المنطقة بجانب ما تسهم به هذه الثروات في تعزيز السلام والاستقرار .
وإيماناً بجدوى الإستفادة من التجارب اليابانية وبحكم علاقات الصداقة والتعاون التي تربط الخرطوم وطوكيو فقد نظمت وزارة الصحة الاتحادية بالتعاون مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي “جايكا” وإدارة التخطيط الاقتصادي والتنمية بولاية كسلا خلال الفترة من 19 إلى 20 مارس الجاري ورشة عمل لشرح نظرية” الكايزن” ومبادئ ” S5″ في مركز التطوير المهني المستمر شارك فيها 40 من منتسبى وزارة الصحة الاتحادية لإستعراض النتائج إلى تحققت من تطبيق “الكايزن” الذي يعد وسيلة فاعلة لتحسين الإنتاج وخاصة في القطاع الصناعي ، فى كل من إدارة التخطيط الاقتصادي و التنمية بولاية كسلا ومستشفى الولادة بامدرمان.

وقد أثبتت ولاية حكومة كسلا أن تطبيق هذا المنهج يمكن أن يطور القطاع العام ويحسن الخدمات العامة عبر تنشيط القطاع الحكومي بإعتبار ان “الكايزن” يختلف عن غيره من الحلول الأخرى في ان تطبيقيه لا يحتاج إلى ميزانية إضافية ولا إلى أدوات من الدولة أو المانحين بل ينفذه العمال والموظفين بأنفسهم ليصلوا إلى نتائج ملموسة و حقيقية .

لقد حقق التطبيق العملي لمنهج “الكايزن” في ولاية كسلا وفقاً لما ذكره مدير إدارة التخطيط الاقتصادي والتنمية بالولاية السيد جمال محمد الحسن تحسينات كبيرة في عدد من القطاعات الحكومية شملت خدمات المياه ، الزراعة والصحة الإنجابية والتدريب المهني عبر تدريب مجموعات تتكون من حوالي 300 موظف في مختلف الوزارات والمحليات على تطبيقات “الكايزن” فى مواقع العمل وقد كونت هذه المجموعات بدوها مجموعات أخرى للتحسين المستمر واختارت بعض الأنشطة والمشاريع التي تعانى من بعض المشاكل والمعوقات لتطبيق هذا المنهج من اجل تقديم خدمات أفضل.

لقد شجعت النتائج التي تحققت على نقل التجربة إلى كل المحليات بالولاية خلال خطة العام الحالي إضافة لولايات البحر الأحمر والقضارف ومنها إلى بقية الولايات الأخرى .كما أن “دليل التدريب” الذي وزع على المشاركين في الورشة من ولاية الخرطوم سيعمل إلى تغير سلوك الأفراد وتوفير الكثير من الوقت والتكاليف المهدرة في العمل اليومي. وأن منهج ” الكايزن” يمكن تطبيقه على حياتنا اليومية داخل الأسرة وعلى مستوى العلاقات الاجتماعية في الإحياء لحل الكثير من المشاكل وتوفير حياة أفضل للجميع.

ومن ضمن النتائج التي تحققت بتطبيق منهج ” الكايزن” وفقاً لما قاله السيد جمال : تنظيم العمل بين الموظفين فيما بينهم البعض لضمان سير العمل في سلاسة و إتقان و تدريب الموظفين على التقليل من ” الهدر أو الفاقد” في الزمن والموارد عبر الحركة الذاتية بدلاً من الاعتماد على الساعي مثلا داخل المكاتب التي تم تقسيمها بنظام معين لتسهيل الاتصال والحركة بين العاملين أثناء العمل. كذلك تم تنظيم الملفات والمستندات الخاصة بالعمل ووضعها وفقا للاستعمال اليومي والشهري والسنوي.

وبالحديث عن التجارب الإقليمية لمنهج ” الكايزن” أوضح السيد جمال أن الولاية استعانت بخبير من معهد (الكايزن) فى مصر لتقديم دورة تدريبية شارك فيها 30 من ولاية كسلا . كذلك وقفت مجموعة من الإداريين على تجربة معهد الكايزن في أثيوبيا والذي تم إنشاءه عام 2011 برعاية مباشرة من رئيس الوزراء الاثيوبى لتحقيق التطوير المستمر في مصانع القطاع الخاص وسيتم التعاون بين الجهتين في تبادل الخبرات لتحسين الأداء في الخدمة العامة.
وعلى الصعيد الدولي أشار السيد جمال إلى زيارات للمتدربين إلى مركز “كايزن” في وكالة جايكا باليابان ووقف الوفد على تجربة الشركات الكبرى هناك ( تايوتا وسونى) حيث أن كل شركة لها تجربتها الخاصة في تطبيق منهج “الكايزن” وتمت زيارة 4 محافظات طبقت هذا المنهج. وتعرف عدد من المتدربين على التجربة الهندية بزيارة المعهد المخصص لتدريس المنهج الذي يعمل على ” تخريط العمل” بمعنى التخلص من الهدر الكثير في ساعات العمل و مضى السيد جمال قائلاً ” لو أن السودان طبق منهج “الكايزن” سيؤدى ذلك إلى اختصار ساعات العمل في الوردية الواحدة من 8 إلى 4 ساعات فقط والاستفادة من باقي الزمن في أشياء أخرى مفيدة مثل التدريب والتأهيل لرفع قدرات العاملين. وتم الاطلاع كذلك على التجربة البنغلادشية في تدريس الكايزن فى معهد التطوير الادارى لتطبيق الجدوى الشاملة عبر الخدمة العامة.

وأعرب السيد جمال عن أمله في أن يكون تدريس مبادئ “الكايزن” احد المناهج الأساسية في مركز التدريب القومي بالسودان وان تتواصل الجهود لتعميم الفكرة إلى كل ولايات السودان وعن الخطط المستقبلية ، وزاد ” هنالك خطط توضع عقب كل دورة تدريبية لمنهج الكايزن ونحن بصدد إنشاء وحدة للتدريب على “الكايزن” في ولاية كسلا على أن تتطور فيما بعد لتصبح معهد متخصص” .

وإذا انتقلنا الى تجربة مستشفى الولادة بامدرمان فنجد أن التطبيق الفعلي لنظام (s 5 ) عبر منهج الكايزن بدأ عام 2010 لأول مرة في السودان ويتم تقيمه كل عام.
الدكتورة لبنى عبد الوهاب الصديق الشايقى مساعد المدير العام لمستشفى الولادة بامدرمان قالت /لسونا/ ان تطبيق منهج ” الكايزن” حقق مستوى عالي من الجودة لكل الخدمات التي يقدمها المستشفى في مجال التوليد وكان لها الأثر الأكبر في توفير رعاية صحية ذات جودة عالية و الحد من حالات العدوى والالتهابات التي تحدث للأطفال حديثي الولادة والأمهات. وأشارت الى أن تطبيق النظام كان من العوامل الرئيسة لترقية الأداء في المستشفى وحصولها على جائزة عالمية عام 2011 في الشقين الأداري والطبي وتم تكريمه من عده جهات كان أخرها مطلع هذا الأسبوع. وأن إدارة المستشفى استفادت من تجارب الدول الأخرى في مجال تطور وترقيه الأداء في المجال الطبي في الدول المجاورة مصر وتنزانيا.

الإهتمام الذي توليه منظمه جايكا بالقطاع الصحي وتركيزها علي تطويره بوصفه الأساس للمحافظة على أهم مورد اقتصادي في عملية التنمية وهو الإنسان المعافى القادر على العطاء في المجالات الأخرى، لذلك هنالك ضرورة وأهميه قصوى لتطبيق هذا النظام في كل القطاعات وخاصة الصحية لما له من نتائج واضحة في تطوير خدمات هذا المجال الحيوي للمواطن ، فضلاً عن أن تطبيق هذه المبادئ الخمس ( s5 ) بسيط وأدوات تنفيذها بسيطة وغير مكلفة في حين نتائجها باهرة اقتصادياً واجتماعياً.

الخرطوم 23-3-2014-(سونا)
Exit mobile version