‫غيرة أعجمي على لسان العرب

[JUSTIFY]
‫غيرة أعجمي على لسان العرب
عندما اقرأ نصوصا باللغة العربية لجيل “الطفرة” في التعليم العالي، أتساءل: بأي لغة درسوا في مرحلة التعليم الواطي؟ كيف يحرزون كذا وتسعين في المائة في امتحانات الشهادة الثانوية، ومعظمهم لا يعرف متى تكون التاء مربوطة ومتى تمشي على حل شعرها، أما الهمزات ف”خليها على الله”، وقد نجد لأبناء وبنات جيل الشباب العذر لكونهم دخلوا المدارس في زمان صار فيه التعليم من الكماليات، وتعرضت فيه المدارس للخصخصة وجيوب أولياء الأمور للمصمصة، ومن أجرم في حقهم هو جيل الكبار الذي نال تعليما مسبكا مسنودا بوجبات مجانية، ولكنني لا أجد العذر للإعلامي سواء كان من جيل الديناصورات أو الشناكيح او ال”بين، بين”، عندما يتلاعب بمفردات اللغة فقط من باب خالف تعرف، فالملاحظ ان وسائل الإعلام باتت تروج للصرعات اللغوية، وبها ولع عجيب بالمفردات الطنانة حتى لو كانت عديمة المعنى: ما معنى “الاستحقاق الرئاسي”، ما مكان كلمة استحقاق في الإعراب في أمر لا يتعلق بالحق والحقوق؟ هل عبارة “الانتخابات الرئاسية” كخة وبلدية؟ أتذكر هنا عبارة سكها الدكتور حسن الترابي عندما كان بمفرده “أهل الحل والعقد”، ففي أول انتخابات بعد انقلاب يونيو 1989، وبعد ان تم تفصيل بعض الدوائر على مقاس بعض الخاصة، ومنع أي شخص من الترشح ضدهم، قال إنهم فازوا ب”الإجماع السكوتي”.. لم يقل ب”التزكية”، فهي كلمة دارجة ومستهلكة بل جاء بمفردتين غريبتين على القاموس السياسي، ولكن العبارة “على بعضها”، دقيقة، فمن فازوا بتلك الطريقة استخدموا العين الحمراء وقالوا لناخبي الدوائر التي خاضوا الانتخابات الافتراضية فيها “هس ولا كلمة وإلا ذنبكم على جنبكم”، ولو قلب العبارة وجعلها “السكوت الإجماعي” لظل المعنى مستقيما
بسبب شح الموارد وسياسة ترشيد الانفاق استوردنا أسماء الأحياء السكنية الراقية من الدول المجاورة، (تخيل لو أن حي الرياض كان اسمه زقلونا أو أن الطائف اسمه “الوالي دقس”، وربما لا يعرف البعض بأن هناك حيا في الخرطوم يحمل هذا الاسم) واستوردنا موضة العراقي الملون والمصحوب بزعبوط من نفس القماش من تشاد ومالي والنيجر.. ولكن ان نستورد مفردات لغوية خطأ من دول أخرى فهذا لا يجوز، نعم اللغة ملك عام ومن حق شخص إندونيسي يجيد العربية ان يستولد منها مفردات، وأن ينافح عنها تماما كما أنافح أنا النوبي المحسي الدنقلاوي عنها (دون الادعاء بأني أتقنها أكثر من غيري من الإعلاميين)، ولكن ونحن الآن في عام 2013 يصبح عام 2012 العام الفائت او المنصرم، فلماذا يحرص البعض على استخدام عبارة العام الفارط المغاربية، فمن الذي فرط العام المنقضي ومن الذي فرط فيه؟ والمعلقون الرياضيون باتوا يقولون عن خط 18 في ملعب كرة القدم “منطقة العمليات”، فحتى لو كانت المباراة في أبيي فإن التسمية خاطئة، لأنها توحي بأن بقية مساحة الملعب مخصصة ل”الركلسة” والاسترخاء
والولع بالكلمات المسكوكة بلا مبرر صار وباء، فحتى إذاعة هنا لندن (بي بي سي) التي كنا نستمع لها ايام زمان للتأكد من صحة استخدام المفردات، سقطت في أيدي جهلة عصاميين، كلما طالت سنوات خدمتهم كلما تضاءلت حصيلتهم المعرفية واللغوية.. أحد مذيعيها كان ينطق اسم عائلة وزير الخارجية البريطاني الأسبق والذي استقال من حكومة توني بلير احتجاجا على غزو العراق “روبن كوك” .. ينطقه كك وليس كما ينبغي ان تنطق الكلمة التي تعني طبخ/ طباخ، وكتبت مقالا في مجلة المجلة أقول فيه أن كك تعني بالعامية الانجليزية عضو الذكورة وأن الخواجات لا يتسمون بالأعضاء التناسلية، فكان تعقيب صاحبنا: أنا عندي جواز بريطاني، مين يكون جعفر عباس.. المهم حتى بي بي سي تتكلم عن “هكذا موقف وهكذا وضع”!! لم يرد في لسان العرب قط إلا “موقف /وضع كهذا” و”احتمالية حدوث كذا وكذا”.. بأي ذنب تم تأنيث كلمة “احتمال”؟ هل قصرت في شيء؟ وهناك “جهوزية” عند الحديث عن كون الشيء أو الأمر جاهزا أو غير جاهز.. وناشدتكم الله يا زملاء لا تقولوا “تفاجأت” بضمير المتكلم وضم التاء الأخيرة بل “فوجئت”
في ذمتكم ألا يؤهلني هذا الدفاع المستميت عن العربية لمنصب محترم في جمهورية “أولاد العرب” الأولى وجمهورية السودان الثانية؟‬
[/SIZE][/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

Exit mobile version