بمعنى أكثر وضوحاً فإن القطاع يتمنى فى قرارة نفسه لو أنه حل ضيفاً على مائدة التفاوض المستديرة جنباً الى جنب مع القوى السياسية الأخرى لأنه يستطيع المناورة، ويستطيع بناء تحالفات أثناء وقبل وبعد الحوار ويستطيع أيضاً أن يطرح أطروحات تجد صدى لدى بعض القوى اليسارية التى تكابد بالكاد لتبقى على قيد الحياة واكبر دليل على ذلك أن قوى اليسار فى الوقت الراهن اضطرت لرفض الحوار حتى من حيث المبدأ لأنها تعلم مسبقاً أن صوتها داخل أي قاعة حوار، وفى أي مائدة مستديرة لن يكون له الصدى الكافي فضلاً عن أن ينال قبول الحاضرين.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن عرمان أدرك شخصياً أن انحصار التفاوض -بمنطوق القرار الدولي 2046 بل وحتى ولو على أساس اتفاق (نافع عقار) حول المنطقتين لا يفيد قضيته المركزية هو رفاقه الطامحين للاستفادة من المفاوضات لصالح مشروع السودان الجديد؛ ذلكم الحلم الذي مات بموت قرنق وزاد عليه الرئيس الجنوبي سلفا كير المزيد من التراب والحجارة والاسمنت!
ولهذا فإن عرمان ولأنه لا يستطيع رفض التفاوض مهما كانت مبرراته، عمل على عرقلتها بشتى السبل وليس أدل على ذلك من رفض وفده -دون مبرر حتى- أي نقاش حول إمكانية وقف إطلاق النار! وهو موقف يمثل فى أهم جوانبه، رفضاً لأي تفاوض فى أديس أبابا فى انتظار تداعيات أخرى على صعيد مجلس الأمن الدولي حين تعود إليه الأوراق فى مرحلة ما ليقرر بشأنها!
وعلى ذلك يمكن القول إن مفاوضات أديس فى الواقع أضحت عبئاً سياسياً وأخلاقياً هائلا على كاهل قطاع الشمال من جهة والولايات المتحدة التى رعت هذه المفاوضات واجتهدت لاستصدار القرار 2046 من اجل إلزام السودان بها.
وقد كان هذا الأمر أكثر وضوحاً حين بدا المبعوث الأمريكي الخاص (دونالد بوث) متوجساً متوتراً وهو يدلي بشهادته أمام لجنة فى مجلس النواب الأمريكي مؤخراً وهو يتحدث عن مبادرة الرئيس البشير الأخيرة حول الحوار الوطني الشامل.
بوث بدت له الأمور وهي تجري بعيداً عن الفلك الأمريكي، كما أدرك الرجل أن الفرقاء السودانيين بإمكانهم إذا تحلقوا حول دائرة مستديرة -بحكم الطبيعة الإنسانية السودانية المعروفة- أن يتوصلوا الى حلول حاسمة بشأن النزاع السوداني ككل، وحينها لن يتسن لواشنطن فعل شيء. لهذا كله فإن إفشال مفاوضات أديس -بعد أن كانت ترياقاً- كان هو الدواء المناسب الذي اهتدت له واشنطن وأمرت عرمان باستخدامه!
سودان سفاري
[/JUSTIFY]