وكان الفيتوري الذي فقد جنسيته وجوازه السودانيين بعد أن سحبتهما حكومة الرئيس الراحل جعفر نميري (1969-1985)، قد أسرّ إلى خاصته برغبته في العودة إلى السودان بعد إقامة طويلة في المغرب، وكان الفيتوري، بعد سحب الجواز والجنسية، يتحرك في جميع مطارات الدول بجواز دبلوماسي، حصل عليه من الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، لكن السلطات الليبية الجديدة سحبت جواز سفره الدبلوماسي، ولم تسلمه ولو جوازاً عادياً، ففضل الإقامة إلى جانب زوجته المغربية. وأصيب بجلطة دماغية تسببت في توقف يده اليمنى عن الكتابة، ولم يصدر له ديوان شعر منذ “عريانا يرقص في الشمس” الصادر في العام 2005.
وكان اتحاد الكتاب عبر رئيسه السابق، عبد الله علي إبراهيم، أرسل مذكرة في فبرائر الماضي إلى وزارة الخارجية ينبه محذراً من عيب ينتظرها حال استمرارها في التقاعس عن التصديق بجواز سفر يحتاجه الشاعر الفيتوري في عملية حزم حقائبه عائداً من المغرب إلى الخرطوم.
وكان الفيتوري المولود بمدينة الجنينة عام 1936م قد عمل مستشاراً ثقافياً في السفارة الليبية في إيطاليا، كما شغل منصب مستشاراً وسفيراً بالسفارة الليبية في بيروت، وعمل أيضاً مستشاراً سياسياً وإعلامياً بسفارة ليبيا في المغرب حيث يقيم الآن هو وزوجته (رجات) وابنته (أشرقت).
وتوهجت شعرية الفيتوري إبان حقبة السبعينيات، حين كتب العديد من القصائد الملحمية والأناشيد الثورية.
وفيما يلي تورد (اليوم التالي) الخطاب الذي بعث به اتحاد الكتاب السودانيين ممثلاً في رئيسه السابق البروفيسور عبد الله علي إبراهيم:
السيد وزير الخارجية الموقر،
تحية طيبة
لقد جدت على الشاعر السوداني البليغ محمد مفتاح الفيتوري ظروف هده فيها الداء العضال، وهو في بلده الآخر المغرب الذي أحسن إليه بزوج رؤوم، وغض الطرف، بإنسانية عذبة، عن أوضاعه المهاجرية غير الموفقة. أما ما يشغلنا، بوجه خاص، فهو رغبته التي بحت حنجرته من ترديدها: أن يعود لوطنه السودان! وكانت دوائر حكومية شتى قد سعت لإشاعة شئ من الطمأنينة في النفوس بشأن حماسها لإطفاء ظمأ يكابده، في مثل ظروفه الراهنة، لرؤية الوطن، ورشحت، كذلك، أنباء بأن السفارة السودانية في الرباط أبدت كامل استعدادها لاستخراج جواز سفر له، كما عبر وزير الثقافة عن استعداد الدولة لاستضافته. وظللنا نترقب تحقيق شئٍ من تلك الوعود الباذخة، دون جدوى، وها يتطاول الأمد، وينقضي نصف العام، أو أكثر، بلا طائل!
يشقينا حقاً، كزملاء للشاعر الكبير، وككتاب، وتلاميذ، وسائر معجبين، أن تتقاصر همة الوطن عن تحقيق رغبة آية في البساطة: أن تكتحل عينا هذا الطائر المهاجر برؤية السودان في هذا المنعطف العسير من العمر. وأكثر ما يثير استغرابنا أن يستغرق استخراج جواز سفر له، والتصديق ببعض المال، كل هذا الوقت الممل، وهو لما يزل منتظراً ينشد خارج الزمن: “كلما زيفوا بطلاً .. قلت قلبي على وطني”!
والآن، إذ نتوجه لسيادتكم بهذا الطلب المتواضع، فغاية ما نرجوه هو إصدار أمركم، واتخاذ ما يلزم من إجراءات تجاه الإسراع باستخراج جواز سفر خاص له، فبهذا تكفونا والوطن بأسره أن نعيب في حق من ظل، عمر أجيال بأكملها، شارة فخر لثقافتنا في محافل الشعر، وريادة آفاق الجديد، والتجسيد الباكر الجـريء لهويتنا العربية الأفريقية، مؤكداً، نثراً وشعراً، على أن الشعراء لا يموتون، ففي يدكم ألا تصحو أمتنا، ذات يوم، وقد ركبها خجل متفاقم لأنها حين ناداها من رفع لها ذكراً في العالمين كي تستنقذه من الغربة حدقت فيه بوجوه الدخان: “وها أنت ذا، حيثما أنت، تأتي غريباً، وتمضي غريباً، تحدق فيك وجوه الدخان، وتدنو قليلاً، وتنأى قليلاً”! فهل نأمل في ألا يطول الأمر بسبب واهٍ من تكاثر التوقيعات أو الأختام؟!
وتفضلوا بقبول شكرنا وتقديرنا
المخلص
عبد الله علي إبراهيم
رئيس اتحاد الكتاب السودانيين
صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]