نبقى مع الجهاز الشمام

[JUSTIFY]
نبقى مع الجهاز الشمام

مازلنا مع «الشبكة المتكاملة للعثور على الأصدقاء»، وهي خدمة طرحتها شركة يوسفُل سولوشنز الأمريكية بحيث يمكنك عبر موقع فيسبوك على الانترنت أو عبر شبكة الهاتف الجوال تحديد مكان وجود شخص ما.. بالخبث التسويقي المعهود وصفت الشركة تلك الخدمة بأنها للعثور على الأصدقاء، بينما حقيقة الأمر أنها ستتحول إلى نظام للتجسس وتحول أقرب الناس إليك إلى أعداء.. من الإيجابيات القليلة لهذه الخدمة أنها تساعدك – مثلا – في تحديد موقع طفل ضاع منك في زحمة الأسواق إذا كان يحمل هاتفا جوالا، كما انها تساعد على القبض على المجرمين لأن هواتفهم الجوالة تنقلب عليهم وتفضح أماكن اختبائهم.. في صيف عام 1990 ضاعت مني زوجتي في ميدان مزدحم في قلب العاصمة التشيكية براغ، ولم تكن هناك وقتها هواتف جوالة.. وصار عيالي يبكون.. وظللت وقتا طويلا اتنقل في أركان الميدان بحثا عنها وأتمعن في وجوه النساء.. فتصيح بنتي: أمي مش خواجية عشان تبصبص لكل واحدة تمر بقربك.. وعثرنا على صاحبة وجه أسمر.. وطلعت سودانية وعلمت بحكايتنا فاستنجدت بزملاء وزميلات لها كانوا في موقع قريب وانتشروا في الميدان وعادوا بها سالمة، ولو كانت تكنولوجيا تحديد المواقع متوافرة وقتها لما تعرضنا للبهدلة في بلد لم يكن فيه وقتها شخص واحد يتكلم غير اللغة التشيكية… ولما نجحت ابنتي في انتزاع تعهد مني بعدم الزواج بأخرى في حال عدم العثور على أمها!
كما أوضحت فإن تلك التكنولوجيا معروفة – اختصارا – بـ «سنيف» التي تعني الشم،.. وبالتالي فهي اسم على مسمى،.. فهي مثل الكلب البوليسي تشمشم الشخص المطلوب الكترونيا وتحدد لك مكان وجوده بالسنتيمتر والملليمتر! وفي الوقت الحالي فإن حوالي عشرين مليون سويدي يشتركون فيها، ولكنهم ندموا وسفوا التراب.. تأخرت عن البيت زاعما لزوجتك أنك تشارك في مؤتمر في فندق «الشتاء الساخن».. وتعود إلى البيت فتسألك بكل هزء: من متى صار بيت صاحبك بو صالح فندق؟.. وتغادر المكتب بحجة الذهاب إلى عيادة طبية، وتعود ويسلمك رئيس القسم لفت نظر لكونك تركت العمل وأمضيت ثلاث ساعات في مقهى للشيشة.. بل ربما تأتيك مذكرة من المدير فحواها: رصدنا دخولك دورة المياه ست مرات خلال ثلاث ساعات.. هل تتعاطى المخدرات أم تعاني من السكري؟ وأتذكر يوم كنت رئيسا لقسم العلاقات العامة في شركة الاتصالات القطرية (كيوتل)، وكانت قطر أول دولة خارج أوروبا تدخل خدمات الهاتف الجوال، وقررنا منح بعض الشخصيات العامة وكبار الصحفيين هواتف مجانية من الدفعة الأولى التي تم طرحها، وذهبت إلى أستاذنا ناصر العثمان (أول رئيس لاتحاد الصحفيين في منطقة الخليج) وقدمت له هاتفا جوالا وشرحت مزاياه، فقال: شكر الله سعيك وابحث عن «ضحية» غيري؟ ليش يا استاذ؟ قال: البليب / البيجر (وكان جهاز النداء الذي تتصل عبره على حامله من أي هاتف فيرى رقمك فيتصل بك) نشف ريقي وجعلني صيدا سهلا لكل من يريد الاتصال بي، وأنت تريد مني أن احمل جهازا يجعلني استقبل المكالمات مباشرة في أي زمان ومكان.. شوف غيري!! وأدركت ان ناصر العثمان حكيم لأنني ما زلت أعاني من امتلاكي هاتفا جوالا واعتبره وبالاً.

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

Exit mobile version