من البديهي أنه وحتى حلول اجل هذه الانتخابات العامة إذا لم يتسنّ التوصل لوفاق وطني قائم على أسس متراضى عليها فإن من الصعب تأجيل الانتخابات العامة لأن إجراء تلك الانتخابات محكوم بالدستور والقانون وسوف تتعقد الأمور أكثر إذا ما تم تأجيلها بأكثر مما هي عليه الأوضاع حالياً.
وبوسع المرء أن يلحظ بشأن حركة القوى السياسية عدة أمور: الأمر الأول، أن القوى السياسية المعنية أساساً بالحوار وكانت تجلس على مقاعد المعارضة انقسمت وتناثرت مواقفها ورؤاها حيال دعوة الحوار! وهذا أمر فى حد ذاته مؤسف ومؤلم لأنه إذا كانت القوى التى يضمها معسكر واحد، وتلبس ملبساً سياسياً موحداً وتحدثت بصوت ولسان واحد، فرّقت بينها دعوة حوار وطني ذات طابع استراتيجي بإمكانها إحداث نقلة نوعية تاريخية فى مجمل الأوضاع القائمة كلها فأيّ خير يُرجى من هذه القوى، وهي التى تتصدر المشهد السياسي السوداني منذ سنوات وتدعي أنها الوريث الشرعي المرتقب لنظام الحكم القائم؟
الأمر الثاني أن هذه القوى السياسية لسخريات القدر ليس لديها أية خيارات ممكنة أو غير ممكنة فلا هي قادرة على منازلة انتخابية مهما كانت درجة نزاهتها ولا هي قادرة على إسقاط السلطة القائمة عبر تظاهرات سياسية شعبية ولا عن طريق القوة.
وعلى ذلك فهي تريد من السلطة القائمة أن (تخلي لها البيت) ثم تعود فتنظفه لها جيداً وتعده للضيوف القادمين! أنظر إذا شئت للحزب الشيوعي السوداني مثلاً، يريد وقفاً للحرب، وإلغاء لكافة القوانين التى يرى (من وجهة نظره هو وحده) أنها مقيدة للحريات، وتفكيك مفاصل الدولة! ثم يجلس بعد ذلك للحوار !
الأمر الثالث أن بعض القوى التى استجابت للدعوة، بدا لها الأمر وكأن الوطني قد أعلن (عجزه) عن القيام بدوره أي انه نادى عليها وهو (فى مرض الموت) وذلك لكتابة وتوثيق (وصيته) والاتفاق حول كيفية تقسيم التركة! فسارعت الى الدعوة الى تشكيل حكومة انتقالية وبعضهم ما يزال ينادي بصوت جهير أنهم يريدون (وضع انتقالي كامل)! حيث تبارى هؤلاء فى التمنّي والطلبات مع أن أحداً ليس بوسعه الآن -وقبل انتهاء الحوار- أن ينادي بحكومة انتقالية أو نصف انتقالية وذلك ببساطة لأن هذا هو محور ومدار الحوار وما سيخرج به.
من خلال هذه الملاحظات تبدو واضحة المفارقة فى الكيفية التى تتعاطى بها القوى السياسية السودانية مع الشئون الوطنية المهمة؛ فمع كونها شئوناً لا تنتظر، وتقتضي شعوراً عارماً بالمسئولية الوطنية إلا أن المشهد الماثل فيه إشارة الى أن الأحزاب السياسية السودانية -للأسف الشديد- إنما تنظر الى الممارسة السياسية من ذات (النظارة الطبية القديمة) إذ أن الناظر الى مواقفها هذه سرعان ما يبدو له وكأنه ينظر الى أحزاب الستينات، والثمانينيات التى لا تكف عن العراك حول كيفية السلطة.
ولعل المضحك فى الأمر ومبكي معاً أن فهم القوى الحزبية العتيقة والحديثة لا يتعدى حكومة انتقالية لكنس آثار النظام الفائت، والتحضير للانتخابات العامة لتأتي هي متوجة بذات كوادرها التى أكل الدهر عليها وشرب، وبذات ائتلافاتها التى تلتئم وتنفض ولا نغالي إن قلنا أنها ذات العمامات المثبتة جيداً على الرؤوس والتي تعيق فهم واستيعاب القضايا الحقيقية والتحديات الكبرى لهذه البلاد!
سودان سفاري
ع.ش