لأن الرجل الشرقي يعتبر البيت محتوى وأثاثا وترتيبا ومظهرا، مجالا نسائيا بحتا، فإنه يعفي نفسه من معظم مسؤوليات البيت بدرجة أنه قد يربأ بنفسه عن رفع شيء قذر ملقى على الأرض ووضعه حيث ينبغي ان يكون.. وكثير من الأزواج- وأنا منهم- يتخلصون من ملابسهم عشوائيا.. فأنا وبكل رجولة أوزع ملابسي حيثما وكيفما اتفق.. شخصيا اعتبر الحذاء والجورب (الشلاراب) من أسخف الاختراعات، واستمتع بخلعهما ومن باب التشفي منهما، فإنني أطرد فردة الحذاء من قدمي بهزة عنيفة فتطير في اتجاه وأفعل نفس الشيء مع الفردة الأخرى فتطير في اتجاه آخر.. ورغم المواعظ والمحاضرات التي ظلت زوجتي تلقيها عليّ بشأن فرز ملابسي المتسخة وعدم وضعها مع الملابس النظيفة، فإنني أتسلح دائما بسلاح «بعدين»… ومنذ سنوات وزوجتي تتساءل متى يحين موعد «بعدين» هذه.غالبية الرجال فوضويون في البيوت، وغالبية النساء حريصات على ان يكون البيت مرتبا ونظيفا.. ولكن تكمن المشكلة في أن النساء متطرفات في أمور النظام والترتيب والنظافة المنزلية.. وقد ابتلاني الله بزوجة لو جعلوها مديرة لفندق مصنف «خمس نجوم» لرفعت تصنيفه إلى سبع نجوم في يوم واحد، لأنها كانت ستجعل العاملين فيه يرون «النجوم السبع» في عز ظهر يوم في يوليو.. وقد أكون «فوضويا» في جوانب في حياتي المنزلية، ولكنني لا أمانع في المساعدة في أعمال البيت، بما في ذلك المطبخ في حدود ثقافتي المطبخية المحدودة. ولكن لا يهمني في كثير او قليل ان تكون «الفوطة» قد سقطت من على الطاولة أو الكرسي، ولا ما إذا كانت ألوان قطع الأثاث متجانسة او «كل واحد من بلد».. حتى عند الإقامة في الفنادق تحرص النساء على ترتيب السرير فور الاستيقاظ ويتضايقن إذا قمت بتحريك كرسي من مكانه: يا بنت الناس.. هناك كتيبة من العمال في الفندق واجبهم ترتيب الغرف فيأتيك الرد: ماذا يقولون عنا إذا وجدوا الغرفة مبهدلة؟ فيم يهمنا رأيهم؟ في جامعة نيوزيلندية – وهذه حكاية واقعية – ظل طالب عربي يواصل الإجابة عن أسئلة الامتحان بعد انتهاء الزمن المخصص للامتحانات بربع ساعة والمراقب يهدده ويتوعده.. ثم تحرك الطالب نحو المراقب وسأله: هل تعرفني؟ فأجاب المراقب بالنفي، فقال الطالب: ثانك يو، وحشر كراسة الأجوبة الخاصة به وسط تلال الكراسات التي تركها زملاؤه.
ومن فرط هوس النساء بالترتيب والنظام والهندام، فقد سقطت الكثيرات فريسات لصناعة التجميل، فالسمراوات مهووسات بكريمات تفتيح البشرة (وكأنما البشرة السوداء أو السمراء «مغلقة» وبحاجة إلى «فتح») والبيضاوات يشوين جلودهن في الشمس ليصبحن برونزاج (للمتخلفين.. فإن الكلمة مشتقة من البرونز الذي هو معدن فالصو ينجم عن خلط النحاس بمعادن أخرى).. أي مائلات إلى السمرة.. يعني لا هذه ولا تلك راضية عن لون بشرتها الطبيعي.. وفي السنوات الأخيرة صار قمة المدح والتغزل بالمرأة أن تقول لها بصوت مرتفع ينم عن انزعاج وعجب: لا حول ولا قوة إلا بالله.. ما عرفتك.. لماذا صرت ضعيفة وهزيلة إلى هذا الحد.. لعل صحتك طيبة.. هذا الكلام يفوق عند بعض بنات هذا الزمن، هدية بالشيء الفلاني حتى لو كانت الواحدة منهن تزن نصف طن.. تماما كما تستطيع ان تلحس عقل رجل لم تلتق به منذ ثلاثين سنة: يا سبحان الله.. شكلك لم يتغير منذ ان تفرقت بنا السبل بعد امتحانات الشهادة الثانوية (اكتشفت في السنوات الأخيرة أن الرجال يبدأون في الكذب حول أعمارهم بعد تجاوز سن الخامسة والأربعين).
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]