ولا شك أن هذا التطور يجيء فى أعقاب فترة وصفت بأنها كانت فترة فتور وبرود بين البلدين، استطاع خلالها السودان بدأب ومثابرة واضحين أن ينأى عن أي تصعيد من شأنه أن يزيد من توتير العلاقة أو يعكر صفوها تماماً، إذ من المعروف أن الشقيقة مصر -وبلا دواعي موضوعية يمكن احترامها- عملت على تسخين ملف النزاع الحدودي فى مثلث حلايب وشرعت عملياً فى تحويل المنطقة بالكامل الى أرض مصرية، قاطعة بذلك الطريق على إمكانيات الحل الدبلوماسي والقانوني الهادئ.
وفيما يبدو أن السودان من جانبه نظر الى الأمر من زاويتين أساسيتين: الأولى، أن القاهرة تعيش ومنذ نحو من عام فى خضم أزمة داخلية صعبة بسبب إزاحة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، وما تقتضيه أزمة كهذه من تفاعلات داخلية، فى الغالب لن تنظر فيها القاهرة الى الأمور بعين إستراتيجية فاحصة الى الأوضاع كلها من حولها، وهذه أمور يتفهم السودان مبدئياً تداعياتها ويدرك أنها تستلزم فى حدود معينة النظر إليها بقدر من مظنة العذر تقديراً لتلك الظروف ومعطياتها
الزاوية الثانية أن النظام الحاكم المؤقت في القاهرة -من الناحية الدستورية والسياسية- هو فى الوقت الحالي نظام حكم مؤقت وذي طبيعة انتقالية، ومع أن النظم الانتقالية عادة لا تقترب من الملفات ذات الطابع الاستراتيجي الكبير، وتتحاشى بلورة رؤى ومواقف ذات جذور عميقة تاركة ذلك للنظم المرتقبة التى ستأتي عبر الاختيار الشعبي الحر فى مرحلة قادمة ؛ إلا أن النظام المؤقت فى القاهرة اقترب من هذه الملفات الإستراتيجية اقتراباً يمكن أن يفهم منه انه استخدم هذه الملفات لأغراض تكتيكية فى إطار النزاع الداخلي الجاري وما قد يقتضيه من اللعب بكل الأوراق.
وعلى كل فإن السودان الذي حرص على المحافظة على ما يمكن تسميتها بشعرة معاوية مع القاهرة بدا متسقاً مع مبدئيته فى النأي بنفسه عن التدخل فى الشأن الداخلي لأي دولة، خاصة الدول الشقيقة المجاورة وهو أمر من المؤكد أن الحكومة المصرية المؤقتة تدرك قيمته السياسية الكبيرة حاضراً ومستقبلاً، ولهذا فإن اتفاق الوزيرين على فتح صفحة جديدة فى علاقاتهما لا يعني بحال من الأحوال ترك ملف النزاع على حلايب على الأساس الذي تعاملت معه الحكومة المصرية المؤقتة، كما لا تعني أن السودان -حين تأتي حكومة مصرية منتخبة في القريب العاجل- سوف يبدأ من حيث انتهت الزيارة الأخيرة للوزير السوداني الى القاهرة !
سودان سفاري
ع.ش