أبيي”عودة إلى الواجهة.. طموحات الفرقاء وتفويض “اليونسفا

[JUSTIFY]عقب مقتل (كوال دينج مجوك) سلطان دينكا نقوك قبل بضعة شهور، شهدت منطقة أبيي -المسبوق تعريفها في الوكالات الخبرية بعبارة (الغنية بالنفط)- هدوءاً نسبياً، قبل أن تتسارع وتيرة الأحداث منذ الأسبوع الماضي، بشكل مخيف في المنطقة المتنازع عليها بين دولتي شمال وجنوب السودان، ويأتي التوتر الذي تشهده المنطقة عقب عمليات النهب والسلب والقتل المتبادلة بين المواطنين والتي تطورت رويدا رويدا لتصل مرحلة الاشتباك بالأسلحة الثقيلة الأمر الذي نتج عنه ضحايا من طرفي الصراع (المسيرية ودينكا نقوك)، ومنذ الأسبوع الماضي ارتفعت حدة الصراع وأخذت منحى ينذر بوقوع مواجهة عسكرية عنيفة ربما تدخل البلدين في دوامة حرب جديدة في الأيام القادمة.

المشهد في عمومياته ينبئ بكارثة قادمة بقوّة نحو البقعة المشحونة بالتوتّر عطفاً على الاستقطاب الحاد الذي تشهده (أبيي) وما حولها حالياً. منتصف الأسبوع الماضي وقعت اشتباكات عنيفة بين طرفي الصراع بسبب دخول مليشيات جنوبية إلى (أبيي) وبعد معارك ضارية أجبرت تلك القوات على الانسحاب، إلا أنها أعادت ترتيب صفوفها وتوغلت للمرة الثانية داخل المنطقة، وفي خضم هذه الأجواء هددت قيادات بارزة في قبيلة المسيرية بإخراج قوات الجيش الشعبي بالقوة من (أبيي)، وأرجعت القيادات خطوتها إلى عدم مقدرة قوات (اليونسفا) التابعة للأمم المتحدة على القيام بواجبها في حماية المدنيين، وذلك على خلفية قيام الجيش الشعبي بالاعتداء على المواطنين السودانيين شمال الخط الحدودي الفاصل بين دولتي السودان وجنوب السودان.

وفي ذات الاتجاه اتهم مختار بابو نمر ناظر عموم المسيرية الذي تحدث لـ(اليوم التالي) الأسبوع الماضي، اتهم أبناء (أبيي) في الحركة الشعبية بالتسبّب في الأحداث التي شهدتها المنطقة مؤخراً، مؤكّداً على أنّ قوّة الجيش الشعبي التي حاولت التوغّل داخل أراضي المسيريّة تمّ دحرها وهزيمتها الأسبوع الماضي، وتابع قائلا: “بلدنا ونضّفناها” وأضاف: “المات مات والعرد عرد”.

في ذات المنحى أكدت قيادات المسيرية أن (15) ألف مقاتل من أبناء القبيلة على استعداد لإخراج القوات الجنوبية من المنطقة، مؤكدين أن الإشكالات الأخيرة تسبب فيها الجيش الشعبي وليس الجنوبيين المدنيين، واتهموا قوات حفظ السلام بالتقاعس عن حماية مواطني (أبيي) من هجمات قوات الجيش الشعبي.

الاتحاد الأفريقي بدوره طالب دولة جنوب السودان أن تسحب جيشها من منطقة (أبيي) فورا دون تعنّت، مؤكداً أن وجود القوات في المنطقة غير شرعي، مشيرا إلى أن قوات (اليونسفا) أكدت دخول الجيش الشعبي بالزي الشرطي للمنطقة، في وقت تنفي خلاله دولة جنوب السودان أن يكون جيشها دخل للمنطقة، وهي التي أكدت التزامها باتفاق (أديس أبابا) المبرم بين (الخرطوم) و(جوبا) في شهر ديسمبر من العام 2011م، حيث أقرّ السماح بنشر قوات دولية من (أثيوبيا) في المنطقة وبشهادة المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي.

وتعمل هذه القوات على مراقبة حدود البلدين ورصد وتسوية النزاعات التي تطرأ على الحدود، واشتمل الاتفاق وقتها على جوانب كثيرة بينها الوضع الإداري والمجلس التشريعي وانسحاب وانتشار قوات الطرفين وانفتاح القوات في أكثر من منطقة، وهو اتفاق ما زال يراوح مكانه لعدة أسباب منها ما يتصل ببالسياسي والأمني، فضلاً عن عدم وصول الطرفين إلى نقاط مشتركة بشأنه.

القوة الإثيوبية لحفظ السلام (يونسفا) المنوط بها حفظ الأمن بالمنطقة لم تفلح في تحقيق مهمتها بامتياز وقامت بتجاوزات من قبل تسببت بدورها في مقتل (كوال دينج مجوك) سلطان دينكا نقوك في (أبيي) بجانب قتلى آخرين من أبناء قبيلة المسيرية وبعض أفراد البعثة، وذلك حينما سمحت له دخول المنطقة التي تتبع لدولة السودان، الأمر ذاته يؤكد أن القوات الإثيوبية ستواجه إشكالات مستقبلا في أداء مهمتها في حال استمرارها في ذات النهج، إلى جانب أن القوة محدودة العدد وضعيفة التجهيزات التي لم تمكنها من إقرار الأمن في المنطقة المتنازع عليها.

وكان مجلس الأمن الدولي دعا الطرفين من قبل إلى سحب قواتهما من المنطقة وأراد بقراره وقتها توسيع تفويض قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة ولكن بحسب المراقبين فإن بعثة (اليونسفا) لا يمكن لها أن تنسحب بشكل نهائي إلا بقرار من مجلس الأمن الدولي، وفي حال انسحابها سيحدث فراغ في المنطقة. في السياق يشدد بعض المتابعين على ضرورة وجود هذه القوات على اعتبار أنها جاءت بموافقة الطرفين لتأمين المنطقة وتنظيم وجود المواطنين بها.

وسبق أن اتفقت دولتا السودان وجنوب السودان بالعاصمة الإثيوبية (أديس أبابا) على تنفيذ بند الترتيبات الأمنية وتكوين المؤسسات المدنية لمنطقة (أبيى) ووضع مصفوفة زمنية لتنفيذ الاتفاق الذي وقع عليه رئيسا البلدين في قمة رئاسية انعقدت بهذا الخصوص، ولكن بعد مرور ثلاثة أعوام على اتفاق (أديس أبابا) بشأن المنطقة لم يتفق الطرفان حتى الآن على إنشاء إدارة منطقة (أبيي) ودائرة الشرطة وفقا لالتزامات حكومتي الدولتين الواردة في الاتفاق الموقع بينهما مسبقا وبقيت قضية (أبيى) عصية على الحل منذها، وحتى راهن الأزمة.

حسناً؛ هذا هو الجزء المتعلق بالسطح، أو ما يعرفه الجميع عن الأزمة.. ماذا عن الجزء الغائر في عمق ذات الأزمة؟ نتحدث بالطبع هنا عن المستجدات على الأرض؛ يُمكن استقراء الصراع الجنوبي الجنوبي الذي ضرب صفوف الحركة الشعبية مؤخرا وأدى بدوره إلى اشتعال الجنوب وإبعاد (رياك مشار) ومجموعته المحسوبة على أولاد قرنق، دفع مجموعة مشار لأن تقدم على عمل يعيدها إلى مراكز السلطة ودوائر صنع القرار في الدولة بشكل أو بآخر، للمعومية؛ هذا الصراع ليس بعيداً عن ما يحدث في منطقة (أبيي).

سألت الخبير الاستراتيجي بمنطقة (أبيي) اللواء (م) دكتور عبدالرحمن مرسال أرباب حول المسألة، فقال: إن الصراع الذي يدور في دولة الجنوب له ارتباط وثيق وتأثير على ما يحدث في المنطقة، مؤكداً أنّ أبناء (أبيي) بالحركة لديهم مصلحة في إشعال الصراع بالمنطقة، ولم يستبعد أرباب وجود جهات تريد تأجيج المشكلة وإدخال دولة الجنوب في صراع آخر مع السودان.

اللواء أرباب مضى في حديثه لـ(اليوم التالي) متهماً مليشيات الدينكا بأنّها بادرت بالهجوم على المسيريّة، مبيناً أنّ الجيش الشعبي خرق الاتفاق ودخل منطقة (أبيي) ووجوده بها مخالف للاتفاق المبرم بين الطرفين، وشدد على ضرورة خروجه من المنطقة واعتبر أن الأمر في حال استمراره سيعقد الصراع في المنطقة وسيقود إلى الحرب، مؤكدا أن الجيشين السوداني والجنوبي ممنوعان من دخول (أبيي) بنص اتفاق (أديس أبابا) .

صحيفة اليوم التالي
ت.إ[/JUSTIFY]

Exit mobile version