– نعم بفضل الله نال الطالب مهند حكماً بالبراءة من قتل ابنة زوجته بماليزيا ذات العامين ونصف، وقد تم ذلك بعد انضمامي الى محامي الدفاع عن مهند وتقديمي لمذكرة قانونية احتوت عشرات الصفحات، استندت عليها المحكمة في قرارها الصادر.
ماهي أبرز الدفوعات القانونية التي تضمنتها المذكرة خاصة وأنها كانت المرحلة الأخيرة في التقاضي بالنسبة للمدان؟
– جريمة القتل العمد لها ثلاثة عناصر الركن المادي للجريمة، وعلاقة السببية بين الفعل، والنتيجة المترتبة عليه وهي الموت، ومايعرف بالركن المعنوي والقصد الجنائي، وبمناقشتي لهذه العناصر مجتمعة في الجريمة المتهم بارتكابها الشاب السوداني مهند، توصلت المحكمة الماليزية (محكمة الموضوع) بأن الاتهام قد نجح في إثبات قضيته فوق مرحلة الشك المعقول، وأن الدفاع فشل في إثارة الشك في قضية الاتهام وقضى بإدانة المتهم تحت المادة (302) من القانون الجنائي والمتعلقة بإدانته بارتكاب جريمة القتل العمد وقضت بإعدامه، أكدت أنا من خلال المذكرة للمحكمة العكس وأثبت أن الاتهام هو الذي قد فشل فشلاً ذريعاً في اثبات الركن المادي لجريمة القتل العمد.
كيف ذلك؟– لم يكن في مقدور الاتهام اثبات أن الـ(34) جرحاً وكدمة بجسم المجني عليها أحدثها المتهم وحده دون غيره مجتمعة، فضلاً عن أن الدفاع قد اشار الى أن والدة المجني عليها قد ضربت ابنتها مرات كثيرة، وكذلك أفاد مهند بأن المجني عليها قد ارتطم رأسها بمقبض الباب الحاد، وقد أكد ذلك المتهم ثم أن مهند دفع بأن زوجته هي التي قتلت ابنتها المجني عليها، وكانت زوجته مقبوض عليها كمتهمة معه، وبالتالي تصبح بينتها بينة شريك وهي غير مقبولة إذ أن لها مصلحة في إدانة مهند وتبرئة نفسها، وأشرت أيضاً الى أن المحكمة تعول على واقعة عدم ذهاب مهند للمستشفى مع والدة المجني عليها (زوجته) وقد برر مهند ذلك بأنه كان يخشى القبض عليه من قبل السلطات الماليزية لأن اقامته قد انتهت بالبلاد.
يعني هذا أنكم تمكنتم من هدم قضية الاتهام برمتها؟– نعم، فقد لفت نظر المحكمة من خلال المذكرة الى أن الشاهدة الأساسية في البلاغ والدة المجني عليها كذابة، وذلك لتبرئة نفسها من التهمة حاولت خلق مبررات لالصاق التهمة بمهند، وقالت أولاً إن الوصيفة هي التي قتلت طفلتها، وعادت مرة أخرى وقالت لا توجد وصيفة، وأنها اتهمتها حتى لا تسوء علاقتها بمهند، وذكرت أن المجني عليها أخبرتها في وقت سابق أن المتهم عندما تذهب هي الى العمل يقوم بضربها، وهذا الأمر استبعده الطبيب أن تكون الصغيره ذات العامين ونصف قد تتمكن من الادلاء بجمل مفيدة.
هذا يعني أن المحكمة استندت على دفعكم بأن والدة القتيلة كذابة؟
– لقد سمعت وأنا داخل المحكمة الفيدرالية عند تداول الـ(5) قضاة للحكم النهائي أحدهم يردد (كذابة.. كذابة).. في إشارة واضحة الى والدة الطفلة، وأعلنت المحكمة في منطوق حكمها اطلاق سراح مهند فوراً على أن تحفظ القضية لعدم وجود بيِّنات كافية في مواجهة المتهم.
أيمكن أن تتخذ اجراءات مرة أخرى ضد المتهم في حال الحصول على بيِّنات أقوى؟
– لا، هذا ما لا يمكن حدوثه فإنه لايمكن اتخاذ اي اجراءات ضد مهند مرة أخرى لأنه صدر قرار بحفظ ملف الدعوى لعدم وجود بيِّنات ضده، وهذا الأمر حدث وتم التوصل الى هذا القرار بعد اجراءات محاكمة كاملة استنفذت كل مراحل التقاضي، ولكن يمكن أن تتحرك الاجراءات في مواجهة شخص آخر.
صدر الحكم ولكن قبل ذلك كيف تمكنت من الترافع عن المدان على الرغم من اختلاف التشريعات بين البلدين؟
– القوانين المتعامل بها في ماليزيا هي ذات القوانين التي نتعامل بها في السودان- القانون الانجليزي والهندي- وهي تستند في جرائم القتل العمد على البينات الظرفية.
ماهي الخطوات التي قمت باتباعها أولاً لكسب القضية؟– في زيارتي الأولى لماليزيا قمت بالاطلاع على محضر المحاكمة المكون من مئات الصفحات،شارفت على المائة صفحة، ومن ثم قابلت اثنين من المحامين الماليزيين كان قد وكلهما والد (مهند) للترافع عن ابنه ودار نقاش بيننا حول خط الدفاع، وكان القاسم المشترك بيننا هو أن كل ماقدمه الاتهام لا يعدو أن يكون سوى شبهات حامت حول المتهم، والشبهة لا تنهض دليلاً للإثبات، وأن كل ماقدمه الاتهام هو بيِّنات ظرفية والبيِّنات الظرفية لكي تصلح للإدانة يجب أن تكون متماسكة في طبيعتها ومنحاها، بحيث يمتنع معها اي تفسير آخر سوى نسبة الجريمة للمتهم، وساد التحفظ بيننا في اللقاءات التي تمت لاعتقادي الجازم على عدم وجود اي امكانات قانونية لديهما، لأنها إن وجدت لم يدن مهند بالإعدام حتى المرحلة قبل النهائية من التقاضي والذي استمر لنحو اربع سنوات، وكان همي كله ابراء ساحة المتهم من الاتهام المنسوب إليه.
من خلال اطلاعكم على المحضر هل وجدتم أن المتهم أُخضع لمحاكمة عادلة؟– لا، من ملاحظاتنا أن المتهم لم يفهم اللغة التي تمت بها المحاكمة على الرغم من أنه قد زود بمترجم إذ أنه قد وجد صعوبة في فهم اجراءات المحاكمة، وعدم فهم لغة المحاكمة افقده حقه في الحصول على محاكمة عادلة أمام القضاء الماليزي.
بموجب ماذا تولت وزارة العدل الدفاع عن المدان وكيف تم تفويضكم لهذه المهمة؟
– تقدمت وزارة الخارجية ممثلة في إدارة القنصليات بخطاب رسمي لوزارة العدل تطلب منها التدخل لإنقاذ طالب سوداني برئ من حكم الإعدام بماليزيا، والسفير ذكر مخاطباً وكيل وزارة العدل بانكم تمثلون كل سوداني بالداخل والخارج فيما يتعلق بإحقاق الحق وحماية الحقوق وفق القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، وناشدت الخارجية العدل بتقديم العون القانوني للمدان، الذي أكدت أنه يمر بظروف صعبة إذ أنه مواجه بتنفيذ عقوبة الإعدام في بلاد هو فيها غريب الوجه واليد واللسان، ومن ثم تم تفويضي للدفاع بعد أن خاطبت العدل إدارة العون القانوني، وكان ذلك في منتصف العام الماضي.
ولماذا تأخر انضمامكم لفريق المحامين الماليزيين الى نوفمبر من ذات العام؟
– يعود ذلك الى رفض السفير السوداني بماليزيا خالد عبدالقادر الشكري حضور اي وفد للتمثيل القانوني في القضية أولاً وأرجع ذلك الى أن حضوره يسيئ للعلاقات بين ماليزيا وحكومة السودان، واقترح أن يتم التفويض لماليزيين في أمر الدفاع.
وماهو موقفكم عند ذلك؟
تمسكت وزارة العدل بتقديم العون القانوني للمدان وأكدت العدل ممثلة في شخصي وهي عضو في آلية حماية السودانيين العاملين بالخارج بجهاز المغتربين، أن دماء السودانيين فوق كل اعتبار، ولا يمكن التضحية بدماء المواطنين لكسب رخيص ولعلاقات بين بلدين، وخاطب وكيل وزارة العدل مولانا عصام الدين عبدالقادر الخارجية للتدخل، ومن ثم مجلس الوزراء وبعد ذلك تمت اجراءات السفر ووصلت كوالالمبور في العاشر من نوفمبر، وبعد تقديم المرافعات عدت الى السودان ورجعت اليها بعد تحديد جلسة للحكم النهائي في فبراير المنصرم.
نفهم من ذلك أن تدخلكم لم يكن مباركاً من الخارجية على الرغم من مخاطبتها لكم ابتداءً بتقديم العون القانوني؟– عند وصولنا في الزيارة الأولى لماليزيا وجدنا شيئاً من الترحيب والاقتناع بالدور الذي نود القيام به حيال القضية من قبل السفارة السودانية هناك، وأسهمت زيارتنا في إزالة الجفوة بين السفارة وأسرة المتهم (مهند) والتي كانت ناقمة على دورها في القضية واقتنع السفير بحشد الجالية السودانية للجلسة النهائية، ولكن بعد عودتنا الى السودان برز للخارجية اتجاه آخر، وتلقيت اتصالاً هاتفياً من قبل السفير عبدالعزيز يؤكد من خلاله أن الخارجية تعتزم تقديم استرحام لدى القضاء الماليزي فيما يلي الحكم الصادر بالإعدام في حق المدان، وذلك بتوجيه من وزير الخارجية.
ماهو موقفكم حيال هذا الاتجاه الأخير للخارجية؟
– أكدت للسفير أن الخطوة سابقة لأوانها وأننا في وزارة العدل نتطلع لأن ينال المدان البراءة وفقاً للأسانيد القانونية التي اعتمدنا عليها وقدمناها أمام القضاء الماليزي، وأوضحت أن تقديم الاسترحام يقدمه وزير العدل وفقاً للقانون وليست الخارجية.
ماذا حدث في زيارتكم الأخيرة لماليزيا لحضور الجلسة الخاصة بالقرار؟
– اجتهدت للوصول الى قاعة المحكمة بعدما تلكأت السفارة في تجهيز عربة لى بحجة أن هناك بعض الترتيبات وهذا ما أبلغني به قنصل بالسفارة عندما طلبت منه تجهيز وسيلة لنقلي للمحكمة صباحاً، وهذا ماتم أخيراً نقلي وبرفقتي والد المتهم ووالدته بعدما ذكرت للقنصل أن السفارة لديها إخطار مسبق بقدومي من السودان وأمضيت (15) ساعة في الجو لكي أكون حضوراً في الجلسة، وطلبت من المحامين الماليزيين الجلوس في المقاعد الأمامية معهم لتمثيل المتهم أمام المحكمة التي لا يجوز لنا مخاطبتها على الرغم من اعتراض السفير على ذلك لقوله لى إن اصرارك على الجلوس مع المحامين (يربك لنا الشغل).
وماذا تم بعد أن أعلنت المحكمة البراءة؟
بلاشك أن براءة مهند من قتل الطفلة ونجاته من الإعدام نتيجة للتدخل الأخير لوزارة العدل بواسطة العون القانوني الذي هو عدالة للضعفاء وأحسب أن ماليزيا نقطة تحول لتقديم العون القانوني للسودانيين العاملين بالخارج، فيما كان للسفير السوداني بماليزيا دور سالب في التعتيم الكامل لدور وزارة العدل بعدما أعلنت المحكمة براءته، وحاول عبثاً إيجاد دور للخارجية وسط الأجهزة الإعلامية.
تقطع مولانا بأن الدور الأصيل أمام القضاء الماليزي كان لوزارة العدل؟
– نعم، وفقاً للقانون والمرسوم الدستوري (45) والذي يحدد اختصاصات وزارة العدل والتي من ضمنها تقديم العون القانوني للمواطنين السودانيين بالداخل والخارج، ووزير العدل هو مستشار الدولة بأجهزتها التنفيذية والقضائية الذي يتولى نيابة عنها جميع الأعمال ذات الطبيعة القانونية، والدور الذي لعبته الوزارة في قضية مهند كان على هذا الأساس والسند القانوني.
أخيراً….. أناشد الدولة في أعلى جهازها التنفيذي باتخاذ اجراء حاسم لوضع الأمور في نصابها لأن الذي حدث في قضية مهند يكون مدعاة لفوضى بأن تتغول اي وزارة على اختصاصات وزارة أخرى، وأتمنى أن ينقل الوفد الذي سوف يسافر الى جنيف لاجتماعات مجلس حقوق الإنسان خلال الفترة القادمة هذا الانجاز باعتبار أن الدولة تدافع في المحافل الدولية عن مواطنيها.
صحيفة آخر لحظة
حوار: منال عبدالله
ت.إ[/JUSTIFY]