والغريب بشأن هذا الملف أن القاهرة تريد من الخرطوم أن تتولى -بدون حتى طلب مباشر منها- مهمة المنافحة عن المصالح المصرية فى مياه النيل بالنظر الى أن السودان يشكل العمق الاستراتيجي لمصر، بالإضافة الى أن السودان تربطه اتفاقية مياه النيل الشهيرة مع مصر واللجنة الفنية الدائمة، والتي فى التفسير الرسمي لا تتجاوز كونها اتفاقية لضمان انسياب سلس للمياه عبر السودان الى مصر دون أية عوائق!
وفى ذات السياق أيضاً تريد القاهرة من الخرطوم أن تلعب الأخيرة دور مؤثر وبأسرع ما يمكن فى معالجة قضية تجميد عضوية مصر فى الاتحاد الإفريقي عقب الإطاحة بالرئيس المنتخب مرسي العام الماضي، ولم يتردد الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، فى تقديم الطلب الى الرئاسة السودانية عبر خطاب مكتوب وهو واثق من الإجابة!
يجري كل ذلك وتقدم القاهرة كل هذه الطلبات وتبدي كل هذا القدر من الحاجة الماسة الى السودان وفى ذات الوقت تقوم القاهرة بعملية تصعيد متعمدة وغير مبررة للنزاع الحدودي المزمن بين الدولتين فى مثلث حلايب، إذ أن السلطة الحالية الحاكمة الآن فى مصر ودوناً عن كل الحكومات المصرية المتعاقبة منذ عهد عبد الناصر فى خمسينات القرن الماضي وحتى سقوط الرئيس مبارك قامت وبطريقة رسمية بإعلان منطقة حلايب مدينة مصرية!
ثم شرعت -بقرار رئاسي- من الحكومة المصرية فى عملية وضع يد مفتعلة الهدف الأساسي منها كما هو واضح ألا يستطيع السودان المنازعة بشأن المنطقة ظناً من الحكومة المصرية هناك أن فرضية الأمر الواقع وإعادة تسمية المناطق، ورفع العلم المصري من شأنها أن تغير حقائق الواقع الى الأبد.
والغريب أن الشقيقة مصر هنا للأسف الشديد تمارس ذات ممارسة الدولة العبرية عندما تراهن على فرضية الأمر الواقع؛ والأكثر غرابة أن للقاهرة تاريخ مطول بشأن حل نزاعات الحدود سواء عبر التفاوض أو التحكيم الدولي وقد فعلت ذلك -للأسف الشديد- مع إسرائيل بشأن منطقة طابا حيث يطل السؤال هنا قائماً، لماذا لم تسع مصر حينها الى فرضية الأمر الواقع وسياسة وضع اليد وفضلت الذهاب الى التحكيم؟ ما الذي جعل القاهرة تتحاشى (العدو) حينها وفى نفس الوقت الآن (تواجه) الصديق والأخ الشقيق؟
إن فن العلاقات الدولية واحد من أهم وأروع فنون العمل الإنساني فى عصرنا الحاضر حيث لا مجال لأخذ كل شيء دفعة واحدة واعتبار الآخرين لا يستحقون أو أنهم (أضعف) من أن يستحقون ما يستحقونه.
ومن المؤسف أن السلطة المصرية الحاكمة حالياً وبعد أن انتزعت شرعية النظام المنتخب الذي سبقها يساورها اعتقاد الآن أن بوسعها أيضاً (انتزاع) شرعية الدول المجاورة. ولو كانت الشقيقة مصر التى ما تأخر السودان فى طلب طلبته منه تحترم إرادته وسيادته الوطنية ولا تعبث معه كأنه (غافل) أو (طيب) كما هو شائع فى الثقافة المصرية؛ لما تأخر الآن من أن يبذل كل ما في وسعه لصالح أمته العربية، غير أن السودان لا يقبل أسلوب (قطع الطريق) وليّ الذراع وستدرك القاهرة ذلك عاجلاً أم آجلاً.
سودان سفاري
ع.ش