وإذا أردنا تعداد المزايا التى من المنتظر أن تحققها حركة الحراك الوطني الجارية حالياً بصفة إجمالية على مجمل الوضع وعلى كافة جهات القتال السودانية غربي وجنوبي السودان فإننا نلحظ الآتي:
أولاً، الحركات المسلحة المختلفة سواء حركات دارفور أو قطاع الشمال أو المسمى الجامع لها المعروف بالجبهة الثورية ستجد نفسها وهي تحارب شعب السودان بأسره دون وجود أدنى سند داخلي لها سراً أو جهراً وهو دون شك أبغض أنواع العمل المسلح حين تقف الجبهة الداخلية بصوت واحد رافضة تماماً للعمل المسلح، وهي بمثابة هزيمة معنوية أقسى من الهزيمة العسكرية لأنها تؤكد أن المسلحين معزولين تماماً عن محيطهم الداخلي وأنهم لا يمثلون سوى أنفسهم ومصالحهم الخاصة وان السلاح صار بالنسبة لهم أسلوب حياة وحرفة سياسية يقتاتون عليها.
ولهذا فإن كان للحركات المسلحة هذه من ذكاء فإن اختيارها للتوقيت المناسب قبل أن تتشكل التحالفات الداخلية وقبل أن تدور عجلة الحوار الداخلي ويتأسس عقد وطني جديد ربما يجنبها هذا المصير المظلم.
ثانياً، سيكون عصياً جداً مهما كانت جرأة دول الجوار -خاصة يوغندا- أن تستمر في دعم الحركات المسلحة وإيوائها إذا ما تبدلت المعادلة السياسية الداخلية لصالح توافق وطني عام قائم على أسس وطنية قوية.
كمبالا ظلت دائماً تلعب لعبتها وفى ذهنها وجود (شرخ) داخل البناء الوطني السوداني، وفى أحيان كثيرة فإن جهلها ببعض مكونات الجبهة الداخلية السودانية والطبيعة السياسية للقوى السياسية السودانية جعلها تفكر فى أن تكن عداءً مستحكم لهذا البلد.
يوغندا أيضاً منشغلة الى حد غرقها الى أذنيها بالأوضاع فى دولة جنوب السودان ولن تجد الوقت الكافي -بعد الآن- لرعاية حركات مسلحة ناشطة ضد السودان وحتى ولو وجدت الوقت فهي نفسها لم تعد فى مأمن اندلاع حركات مسلحة ضدها.
كذلك المتمردين الذين تقاتلهم فى جوبا جنباً الى جنب مع القوات الحكومية سوف يفكرون سريعاً ويجدون إن أسرع طريقة لإخراج كمبالا من جوبا تماماً هو إشعال النار فى بيتها هناك لتسارع وتجري لإطفائه.
ثالثاً، دولة الجنوب هي الأخرى أنهكها الصراع الدائر هناك تماماً بحيث يستحيل عليها بعد اليوم ومهما كانت تشتهي ذلك أن تعود لدعم وإيواء عناصر سودانية مسلحة -جوبا- ولأول مرة – اختبرت كلفة الرصاص والنيران وصعوبة الاحتفاظ بتقديم الغذاء والدواء للمواطنين ومقاتلة المتمردين باليد الأخرى، بل ربما اكتشفت جوبا -ولو متأخراً- أن الحرب كلفتها ملايين الدولارات وأنها سوف تصل الى مرحلة لن تجد فيها دولاراً واحداً لكي تقاتل به وهذه حسابات أفزعت القيادة الجنوبية فى اجتماع طارئ مؤخراً فى قصر الرئيس الجنوبي سلفا كير، إذ أن المشكلة لم تعد فى كيفية إدارة الحرب بقدر ما هي كيفية تأمين التمويل اللازم لها.
وهكذا فإن الحركات المسلحة فى الواقع ينتظرها مصير مظلم غير مسبوق وتلك فى جزء منها تجليات رفضها غير المبرر وغير المبني على أسس سياسية لكافة دعوات التفاوض التى قدمت لها مراراً على طبق من ذهب وركلتها برجليها، وعليها الآن وقبل أن تضطر لالتقاطها بلسانها مباشرة أن تغتنم السانحة وتسارع الى طاولة التفاوض ففي السياسة وحدها عنصر التوقيت هو العنصر الحاسم والأكثر أثراً.
سودان سفاري
ع.ش