قراء نفسية في السطوة الروحانية للمعادن النفيسة

[JUSTIFY]صنف العديد من الباحثين المُهتمين بالرووحانيات في ثقافات الشعوب، بينهم الكاتب الفنلندي الشهير (وستر مارك)، أن بعض تلك الشعوب تتوسل إلى مدد روحاني باستخدام ما أسماها بـ (الأسماء العالية)، ذات الطابع الفعّال، وأن استخدامها لتلك الأسماء تختلف باختلاف الموروثاث المعرفية سواء أكانت كسبية أو وهبية.
ومن هذه المعارف التي لا تزال فاعلة بين البشر بمختلف معتقداتهم كل يأولها كي تقترب من روح دينه، ويأخذون في توسلهم هذا مواثيقاً بكتمان أسرار نفاذها، فتبدو في شكل طلاسم وكتابات مبهمة مكتوبة على ورق أو قماش أو أي مادة أخرى، أو منقوشة على أساور وخواتم، ولعل أشهر خاتم لا يزال يحتفظ بسطوته ونفاذه الروحي في هذا المضمار خاتم سيدنا سليمان، وربما منه مع بعض (الأسلمة) والتجيير لصالح الموروث الثقافي السوداني اخترع (الخاتم أبو جنيه) والذي يتمتع بغير قليل من تلك الروحانيات التي ينطوي عليها (خاتم النبي سليمان).
سطوة النقوش
والناظر إلى السطوة الروحية للنقوش التي على خاتم أبو جنيه والخواتم الأخرى لذات الغرض، لا يملك إلاّ أن يقف عاجزاً أمام كل هذا الغموض الذي يُحاط بها، ولربما هذا ما جعلها تتموضع في مكانة أقرب إلى القداسة منها إلى أكسسوار للزينة النسائية أو الرجالية كما درج الناس على استحدام المعادن النفيسة خاصة مشغولات الذهب والفضة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه كلما كان المعدن الذي صيغ منه الخاتم نادراً ونفيساً ازدادت قيمته المادية والروحانية، وكلما كانت نقوشه غامضة واعتقد الناس في أسراره الكامنه، وهكذا بدا لنا (الخاتم أبو جنيه) تماماً مثل خاتم النبي سليمان.
هنا في السودان، لا تزال هنالك العديد من القيم الاجتماعية السمحة التي لم تندثر بعد، رغم التطور والتحديث اللذين طرآ على المفاهيم والأفكار وحياة الناس بمختلف جوانبها، فمثلا في زمن ليس ببعيد كانت النساء السودانيات يعتقدن اعتقاداً جازماً في خاتم الجنيه على أنه بشارة خير وفأل حسن، فيستخدمنه في الكثير من مناسباتهم المفرحة أو المحزنة.
خوف الكبسة
تقول الحاجة وهيبة نصر من الولاية الشمالية إنهم يعتقدون في خاتم الجنيه، خاصة للمرأة في حالة وضوعها، خوفا من ما يسمينه بـ(الكبسة)، فمثلا إذا جاءت إحداهن تهنئ بالمولود وهي تضع خاتم جنيه – بحسب الحاجة وهيبة إبراهيم نصر – فإنها (تكبس النفساء) إذا لم تكن هي أيضاً تضع ذات الخاتم، فيجف اللبن في ثديها أو يلتهب جرح الولادة. وتضيف وهيبة: أنه لا بد للعروس أن تلبس خاتم الجنيه خوف هذه الكبسة التي قد تتفاقم إلى أن تصاب بالعقم التام، فلا تنجب مرة أخرى. الآن انتهت هذه الاعتقادات تواصل هيبة، وتفسر: ربما يعود ذلك لارتفاع وعي النساء.
أثر نفسي إيجابي
خاتم الجنيه تضعه النساء من الأعمار كافة على أصابعهن، ليس محصوراً على فئة عمرية دون غيرها، تبتدر بسمات جاه الله حسن حديثها، وتستطرد: يتم وضع خاتم الجنيه على أصبع العروسين معا خوف (الكبسة) ويربط الخاتم في التيلة وأحيانا يلبس كـ (غويشة احفظ مالك)، وشددت على أنه لا بد من أن تلتزم به العروس والنفساء لـ (أربعين صباحاً) على حد قولها، وكشفت بسمات عن أن الاعتقاد السائد في منطقتهم بالجزيرة هو أن ما يخافون منه حينما لا يلتزمون بوضع الخاتم قد يحدث بالفعل، لذلك يحرصن عليه أكثر من حرصهن على أي شيء آخر، وأيضاً يعتقدن أن العروس التي لا تضعه لن تنجب، والنفساء إذا تعالت عليه قد لا تنجب مرة أخرى، وأشارت إلى أن خاتم الجنيه يستخدم أيضاً في طقس الجرتق، إذ يعتبر الأساس في مراسم الزواج كافة، ورغم غلاء ثمنه تحرص العديد من النساء علي اقتناءه والاحتفاظ به، لما يمثله من حالة روحانية و معنوية بالغة الأثر بالنسبة لهن.

صحيفة اليوم التالي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version