في قمة الضجيج تسكن الأشياء المؤثرة.. وفي قمة السكون تضج الحياة حيث الركون الهاديء.. هذا الليل الطويل يطوي في جوفه السعود والنحس والمتناقضات ولا يتبقى مدخل للخروج إلا أطرقه مضطرة في مخمصة.. وأنا هنا أقف لا أقول محبطة ولكني الأقل حماساً.. أنها الحياة بكل طيوف تداخلاتها تربك الطرائق والسبل عندما تتوحد على أنه لا شيء أبقى إلا المتغير.. أخشى على نفسي من بعض أحلامي واخشى على أحلامي من كل نفسي.. أتوسل للأقدار ان تخفف وقعها وان تنعم التفاصيل بكلية الأمل.. لابد من مغادرة هذه المحطات البائسة التي لا تقر بها الأعين ولا تطمئن بها الأنفس.. تماماً عندما تصبح كل الأجواء حولي عبارة عن آفاق ملتبسة ومتداخلة.. عندما يكون هناك تبرير لبعض القبح على الجمال هي حالة يمر بها أناس كثر في مفاصل حياتهم ولا يملكون غير القول «إيه القرف دا».. «إيه السجم دا» تماماً عندما تقتل الضجيج بالسكون أو تقتل السكون بالضجيج.
٭ جاهل في ثياب عالم!
النماذج البشرية المتميزة.. ليست بالضرورة أن تكون نماذج خيرة أو نماذج كلها إيجابية.. بذات القدر للمتميزين يمكن أن يكونوا في مجالات الشر والإجرام خليطاً ما بين كل ذلك في براءة اختراع لشخصية متميزة سوءاً.. كنت أعجب لذلك الرجل الذي جعل من نفسه عالماً وهو لا يملك من العلم إلا القليل القليل.. يغطي على جهله بهالةٍ من مجموعة الوعي والعلم لكنها مجموعة يهزمها الفقر وعدم القدرة على الانغماس في وحل الفساد وحثالة الأوضاع البائسة.. نصب نفسه زعيماً عليهم يلتقط من بعضهم بعض العبارات ليعزز بها الصورة التي يبدو عليها في هندام كامل وكلمات منتقاة إلا أنه يظل حبيس جهله الداخلي عندما يقع في أنس المتبحرين والمثقفاتية.. المهم أنه نجح وتميز في طبع ملامح تلك الشخصية التي يحلم بأن «يحوزها».. ففي فقهه ان كل شيء قابل للشراء والبيع والناس عنده مجرد بضاعة.. وهو على الإستعداد لكسرها لهم.. رغم انهم يعلمون استغلاله لهم إلا انهم يمررون بلع «سخافاته وبلادته» على أمل أن يكون مردودهم منه أكثر مما يتحصل عليه.. أخذهم بعلمهم إلى الجهل وفاز هو بتظاهر العلم عليهم.. من عمق الحواري قفز بنفسه إلى تقاطيع الفخر والعز وما زالوا يتحلقون حوله في بلادة بادية!
٭ واحدة بواحدة!
لم يكن «عبدو» ليشيع تلك النظرية «أن لكل شيء ثمن» عندما بلغت عبارته الشهيرة مداها «واحدة بواحدة».. فأي طلب أو أمر ترتقبه عنده مباشرة يعد له المقابل في الحين والتو.. ولا يفرق في ذلك ببعض المواقف الصغيرة جداً والكبيرة جداً حتى ولو كانت مواقف من بوابات ذات طابع إنساني.. إن وقف في «البص» لرجل كبير السن فإنه بطريقة إيحائية يجعله يدفع له قيمة التذكرة.. وإن ساعد أي شخص في ملمةٍ ظل لصيقاً بذلك الشخص إلى أن «يملس ليهو قفاهو».. كما يقول أو «يمسح ليهو شنبو» وهي عبارات رديفة في قاموس «عبدو» لعبارة «واحدة بواحدة».. إلى أن أوقعته الأقدار مع «الزينبية» التي وجدها في الطريق العام تحمل كرتونة وبعض الأغراض في مشقة فتقدم منها على أنه ذلك الشهم الذي يريد أن يخفف عنها الحمل.. لكنها ايضاً كانت «إمرأة استباقية».. «فطقت حنكها بأعلى الأصوات بأن هذا العبدو قد تحرش بها..» تجمع المارة وانهالوا عليه بكل قدرتهم على الضرب وهي قدرة محدودة جداً فمعظمهم لم يتناول وجبة الإفطار بعد.. فقد غاب صاحب الدكان عن فتح محله اليوم حتى يقوم هؤلاء بالفطور «بالجرورة».. المهم أخذ «عبدو» في ذلك اليوم علقة ساخنة وعرف أن البشر نماذج وطرق وحيل.. فالمرأة قد قام بعض هؤلاء بتوصيلها لبيتها وفتحوا لها نافذة لموضوع «كفارة.. الحكاية شنو؟».. «أصلاً أنا كنت «ماشه» في الشارع قام عبدو…» مع الإعادة والدبلجة والمنتجة والإخراج..
٭ آخر الكلام:-
عندما تسكن بعض حركاتنا تضج دواخلنا بالضجيج.. وعندما نتظاهر بعض الوهمات فنحن نعلن حالة من الجهل النموذجي الشائع.. وعندما نحدد لمروءتنا أو حراكنا ثمن فإننا ندمن نظرية «عبدو» واحدة بواحدة..
[LEFT]مع محبتي للجميع..[/LEFT]
[/JUSTIFY]
سياج – آخر لحظة
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email]