قال النّيّل أبو قرون: «على الرسول صلى الله عليه وعلى والديه وآله وسلم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» هذه قاعدة إلى قيام الساعة ما بيأخذه أبوبكر ولا بيأخذه عمر ولا…» ثم قال: رداً على سؤال المقدم: «ولا مرتبطة بزمن» قال: «إطلاقاً ولا بحكم «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» ما مرتبطة بحكم، ما علي موجود أبو بكر ما أخذ شيء من مقام علي ولذلك لكن كمان برضو وجود أبو بكر في الحكم لا يجعله هو فوق علي كمان» ثم قال رداً على سؤال المقدم: «مقام علي هو المقام الحقيقي؟» قال: «نعم «من كنت مولاه فعلي مولاه» قائمة و«أنت مني بمنزلة هارون من موسى» قائمة لم ينزعها وجود أبو بكر في الخلافة هو صار خليفة للمسلمين.. الحكم… فالتسلسل السُّلطوي لا يعطي الأسبقية العلمية..».أ. هـ .
قلتُ: ولست بحاجة إلى بيان ما يعتقده أهل السنة في بيان فضائل علي رضي الله عنه الخليفة الرابع الراشد ومكانته في الإسلام، وأهل السنة يثبتون له الفضائل التي وردت فيه والمناقب الكريمة التي أكرمه الله تعالى بها، ومنها حديث «من كنت مولاه فعلي مولاه» وحديث «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» وقد قالها النبي صلى الله عليه وسلم له لما أراد بعض المنافقين الطعن فيه لما استخلفه النبي عليه الصلاة والسلام على المدينة.. وأما قوله النبي عليه الصلاة والسلام «من كنت مولاه فعلي مولاه» هي فضل له والولاية تعني الولاية الخاصة من النصرة والمحبة والولاء.. والحديث لا يعني الحصر ولا ينفي الولاية للنبي عليه الصلاة والسلام لبقية أصحابه.. ومن أحاديث فضل علي رضي الله عنه حديث فتح خيبر وغيره، فأهل السنة يوالون علياً وأهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام ولا يغلون فيهم وكذلك يوالون صحابة النبي عليهم رضوان الله ولا يغلون فيهم، وقد قال القحطاني الأندلسي رحمه الله: «حب الصحابة والقرابة سنة ألقى بها ربي إذا أحياني» ..
وكلام النّيل أعلاه يفيد أنه يضع أبا بكر الصديق رضي الله عنه في الفضل والمكانة دون علي رضي الله عنه، وقد حاول تضعيف فضيلته باجتماع المسلمين عليه ومبايعته خليفة للمسلمين وذلك بتهوينه من شأن وأمر الخلافة.
لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته» رواه البخاري، وهذا إثبات لفضل أبي بكر على سائر الصحابة رضي الله عنهم جميعاً..
وروى البخاري في صحيحه عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت: يا رسول الله أي الناس أحب إليك قال صلى الله عليه وسلم عائشة قلت: من الرجال؟ قال: أبوها». فأبو بكر أحب الناس إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو من شهد معه جميع الغزوات وكان صاحبه في الهجرة والغار، ولا يتقدم أحد من صحابة النبي عليه الصلاة والسلام عليه في محبة النبي له.
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أُحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال: اثبت أُحد فإنما عليك نبي صديق وشهيدان». فهو صدّيق رضي الله عنه وهي مرتبة عظيمة جاءت في مقدمة صفات المؤمنين بعد الأنبياء قال تعالى: «من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين..».
فقول النيل بتقديم علي رضي الله عنه على أبي بكر رضي الله عنه قول باطل مخالف لإجماع المسلمين والإجماع قام على أدلة شرعية ثابتة في الكتاب والسنة.
وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام أمته بأن تقتدي بأبي بكر وعمر من بعده فقال: «اقتدوا باللذين من بعدي» وأشار إلى أبي بكر وعمر رواه أحمد في المسند وصححه الألباني. وفي حديث المرأة التي جاءت للنبي عليه الصلاة والسلام فأمرها أن ترجع عليه فقالت إن لم أجدك، قال لها عليه الصلاة والسلام: «إن لم تجديني فأتي أبا بكر» رواه البخاري ومسلم، والنصوص التي تفيد تقديم أبي بكر رضي الله عنه على جميع الصحابة كثيرة وواضحة، وقد استخلفه النبي عليه الصلاة والسلام ليصلي بالناس لما مرض فقال: «مروا أبا بكر يصلي بالناس»رواه البخاري ومسلم.
وأهل السنة يقولون: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، فترتيبهم في الفضل والمكانة كترتيبهم في الخلافة، هذا هو القول الحق الذي تسنده الأدلة، وقد كان الصحابة يقولون ذلك كما ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في قوله: كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لاَ نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لاَ نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ رواه البخاري..
قال الجويني: «أما إمامة أبي بكر رضي الله عنه فقد ثبتت بإجماع الصحابة فإنهم أطبقوا على بذل الطاعة والانقياد لحكمه… وما تخرص به الروافض من إبداء علي شراساً وشماساً في عقد البيعة له كذب صريح ..». وقال ابن قدامة المقدسي: «وهو أي أبو بكر أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لفضله وسابقته وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة على جميع الصحابة رضوان الله عليهم، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم على تقديمه ومتابعته». وقال ابن كثير: «قد اتفق الصحابة رضي الله عنهم على بيعة الصديق حتى علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما». وقال ابن أبي زيد القيرواني المالكي: «وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون، أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين».
وقد ثبت عن علي رضي الله عنه كما في السنة لابن أبي عاصم وغيره: «لا يفضلني على أبي بكر وعمر أو لا أجد أحداً يفضلني على أبي بكر وعمر إلا وجلدته جلد حد المفتري».
إن غمز وطعن النيل أبو قرون في ذلك اللقاء في مكانة أبي بكر رضي الله عنه وسبقه وفضيلته وتقدمه على جميع الصحابة هو منكر شنيع وباطل كُبّار ومكر في عز النهار.. ومخالفة لإجماع المسلمين، وتعدٍ على ثوابت راسخة يجتمع عليها جميع أهل السودان بمختلف اتجاهاتهم وطوائفهم.. فهي من «التراث» الصحيح الذي ورثناه من آبائنا وأجدادنا في هذا المجتمع مما صحّت به أخبار النصوص الشرعية.. فهو تعدٍ على مفهوم صحيح راسخ في المجتمع ويتضمن هذا الاعتداء الطعن في النصوص الشرعية الثابتة والزعزعة والتشكيك في الثوابت وهو ما سعت إليه المادة المقدمة في هذه الحلقة في خلاصاتها ومجملها.. وهذه واحدة من «شطحات» النيل أبو قرون التي نقلتها للأسف قناة الخرطوم.
أضع بين يدي المجتمع بكل أطيافه وجهاته الرسمية والشعبية هذا التعدي والتشكيك في منزلة صديق الأمة التي اتفقت عليها الأمة.. وللصّديق أبي بكر حق واجب على هذه الأمة.. فهو من هو في الفضل فهو أفضل الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام!! فكيف بنا إذا كان المنتقص والمشكك في منزلته وسبقه قريب أو صديق؟!
وأواصل إن شاء الله في قضية أخرى.. من شطحات تلك الحلقة التلفزيونية البائسة .
صحيفة الإنتباهة
ع.ش